قيــام الليــل
معلوم ان المحافظة على صلاة الليل سبب لحضور القلب بين يدي الله تعالى وبكائه وتأثره بآي الذكر الحكيم و القرآن العظيم ـ على ما فيه من مشقة و عناء ـ و قد سئل الحسن البصري عن أشد شيء و أصعبه على الإنسان فقال : قيام الليل, فقيل له : فما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها ? فقال : لأنهم خلوا بالرحمان فألبسهم من نوره !
ولهذا فإن الذي يريد أن يكف نفسه عن المعاصي ويردعها عن الشهوات, لا بد أن يؤدب النفس في الليل بحسن القيام وطول القراءة والتدبر والخوف من الله سبحانه تعالى.
يقول عز و جل : " وَاُذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً " <المزمل : 8> أي أقلع قلبك عن كل الشواغل الدنيوية وانقطع إلى طاعة الله جل وعلا واجعل فرحك وحزنك لله وبالله لا بالدنيا وشهواتها وغفلاتها.
وأود أن أسأل نفسي سؤالا : ما هو أول شيء في قلبي?! والقلب سمي قلبا لسرعة تقلبه, وهو سريع التأثر بالأشياء من حوله.. وأنا سريع التأثر بزوجي وأولادي وأحبابي..فهل جربت أن أوجه هذه الحساسية لله سبحانه و تعالى?! ولا تقل أنا قلبي قاس أو أنا لا أستطيع البكاء أو أنا لا أتأثر بالقرآن...إلخ , فالقلب ـ أي قلب ـ فيه خير, ولكننا لم نستثمر هذا الخير. وجرب قيام الليل أسبوعا واحدا وسترى لذلك أثرا عظيما.
وقدوتنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقوم معظم الليل ويشق على نفسه فتسأله أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها : يا رسول الله..ألا ترفق بنفسك.. ألا تنام قليلا ? فيقول صلى الله عليه و سلم : " مضى زمن النوم يا خديجة " .
وقد كان بعض الصحابة من شدة خوفهم من الله عز و جل وحبهم له يقومون الليل كله.
ويقول الحق سبحانه و تعالى عن المؤمنين في سورة السجدة : " إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " <السجدة : 15,16>
ومعنى تتجافى عن المضاجع : أي أنها لا تستطيع الصبر على النوم, تكره الفراش اللين و الراحة !! كأن بينها وبين السرير جفوة وخصاما فلا يستطيع أن يمنع نفسه من مناجاة الرحمان ومخاطبة الواحد المنان !
اعلم يا أخي ويا أختي أن هناك جنة في الدنيا كما أن هناك جنة في الآخرة, وجنة الدنيا هي قيام الليل.. والخلوة بالرحمان سبحانه وتعالى. بل إنها أفضل من الدنيا وما فيها كما أخبر بذلك سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قال : "ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها ".
اللهم وفقني و أحبتي للقيام و الوقوف بين يديه سبحانه و تعالى و مناجاته في الثلث الأخير من الليل .