أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط على زر التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط على زر التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مالك بن نبي والحضارة الاسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
لمياء المغربي
متعلم مبتدئ
متعلم مبتدئ
لمياء المغربي


عدد المساهمات : 87
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 14/04/2010

مالك بن نبي والحضارة الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: مالك بن نبي والحضارة الاسلامية   مالك بن نبي والحضارة الاسلامية I_icon_minitimeالإثنين 6 سبتمبر 2010 - 18:36

مالك بن نبي مؤسس الاتجاه الحضاري
في الفكر الإسلامي المعاصر
مالك بن نبي


بقلم: أم محمد(1)
إنّ المتتبع لتاريخ الأفكار ومختلف المفكرين الذين برزوا في العالم الإسلامي في القرن العشرين سيلاحظ أن هناك عدة اتجاهات فكرية تتوزع بين اليسار واليمين والوسط، وبين اتجاهات محافظة وأخرى مجددة. وبين هذا النسيج يتميز مالك بن نبي بكونه رائد اتجاه فكري غير مسبوق في العالم الإسلامي وهو الذي يمكن أن نطلق عليه الاتجاه الحضاري في الفكر الإسلامي المعاصر. ذلك أنه أول من جعل "الحضارة" وحدة التحليل.

ولذلك جاءت كل كتبه تحت عنوان رئيسي هو مشكلات الحضارة. ولإدراك تميز مالك بن نبي كرائد للاتجاه الحضاري في الفكر الإسلامي المعاصر بمكننا أن نستعرض باختصار جهود بعض المفكرين الذين عالجوا قضايا العالم الإسلامي من زوايا مختلفة.

فنجد محمد عبده مثلاً دعى إلى إصلاح مناهج تدريس العقيدة، ومواكبة تطورات العصر وتقديم إجابات علمية رصينة على أسئلة المشككين ونفاة العقيدة وفي نفس الوقت معالجة الآراء المنحرفة التي تمس مصداقية العقيدة الإسلامية. كما نجد جمال الدين الأفغاني دعا إلى إصلاح نظام الخلافة ومحاربة الاستعمار. وهناك مفكرين مثل طه حسين دعا إلى تبني الغرب والذوبان فيه. وبالنسبة لمالك بن نبي كل هذه الطروحات تعتبر في رأيه جزئية وقاصرة عن فهم جوهر وحقيقة تخلف المسلمين وعدم مواكبتهم لتطورات المعاصرة. واعتبر هذه الإشكالات التي طرحها هؤلاء المفكرين أعراض ظاهرية لمشكلة أعمق وأشمل وهي "مشكلة الحضارة".

إن الحضارة تعتبر واحدة، فلا تقتصر على مجتمع دون آخر أو على أمة دون أخرى، رغم وجود حضارات مختلفة عبر التاريخ مثل الحضارة الفرعونية، الحضارة اليونانية، الحضارة الإسلامية، والحضارة الغربية، ولكن ليس في وسع أية حضارة أن تغلق أبوابها أمام بقية الأمم والشعوب. ولكن إسهام هذه الشعوب ودرجة استفادتها من نمو الحضارات تختلف من مجتمع إلى آخر ومن حقبة زمنية إلى أخرى بحسب الظروف التي تحيط بكل مجتمع.

ونظرية الحضارة عند مالك بن نبي تعتبر انفراداً في نظرته الموضوعية التي عمل من خلالها على تحليل طبيعة الحضارة الإنسانية بمنهج علمي منطقي للوصول إلى الحضارة الإسلامية المثلى باعتباره نموذجاً يتبناه لكي يقيم عليه الحضارة المثالية للإنسانية بأجمعها.

كان لمالك بن نبي منهج معين في التفكير والتأمل والتحليل محاولاً إيجاد الحلول الشاملة للأزمة التي يعانيها العالم الإسلامي وذلك عبر تجاوز الأطروحات الجزئية التي تحاول دراسة مواطن الداء في المجتمع الإسلامي المعاصر.

المنظور الحضاري:

لقد صاغ مالك مشكلة العالم الإسلامي الرئيسية باعتبارها مشكلة حضارة ولذلك كانت المحور الرئيس الذي دارت حولها أبحاثه وكتبه ونذر لها حياته وجهده حيث أنه يعتبر الحضارة "أم المشكلات التي يواجهها العالم الإسلامي هي مشكلة الحضارة. كيف تدخل الشعوب الإسلامية في دورة حضارية جديدة... هذه القضية باختصار هي التي وجهت لها كل مجهوداتي منذ ثلاثين سنة".(2)

فالحضارة هي من الشروط الواجب توفرها لأي مجتمع مستقر، وسقوط الحضارة في المجتمع تعني السقوط للوجود الاجتماعي وانتهاء شخصيته وتغلب عليه صفة البدائية وذلك يتنافى مع الإنسانية. ومن درس تاريخ الحضارات في العالم يؤيد ذلك، ويقول ابن نبي هنا: "إنني أؤمن بالحضارة على أنها حماية للإنسان لأنها تضع حاجزاً بينه وبين الهمجية".(3) فالحضارة إذن تعتبر حصانة لحياة الأفراد، وتأمين على حياته، وتوفير لاحتياجاته وحفاظاً على شخصيته الدينية والوطنية. ومن هنا يمكن القول أن مالك بن نبي ينظر للمشكلات من منظور حضاري شامل وليس منظور جزئي يعالج مشكلة عرضية.

مفهوم الثقافة:

إنّ المتتبع لإنتاج مالك بن نبي يجده يولي اهتماماً كبيراً بمفهوم الثقافة ويعطي مكانة متميزة للأفكار. إنه يعتبر الثقافة هي المحدد الرئيس لمشكلة الحضارة. ويعرف مالك الثقافة بقوله: "هي مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته"(4) ويصف الثقافة بأنها الغذاء الذي يتغذى منه جنين الحضارة الذي يعيش في أحشائه ويتحرك داخله فتتكون فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر.(5) ولا يفصل مالك المشكلة الفكرية عن محيطها النفسي والسلوكي لأن الثقافة عنده هي نظرية في المعرفة ومنهجفي السلوك ومنهجية في البناء.(6) ويعتبر الثقافة هي المحيط الذي يعكس حضارة معينة وهي تتركب من أربعة عناصر هي: الأخلاق، والجمال، والمنطق العملي والصناعة.(7)

1. عنصر الأخلاق وهي حصيلة تعاون خلاّق مبدع في حدود المجتمع تتمثل في تكوين الصلات الاجتماعية.

2. عنصر الجمال لتكوين الذوق العام وتنظيم ذلك المجتمع.

3. المنطق العملي وهي حصيلة ذلك الفكر المتصل بالأشياء عن طريق التفاعل والنشاط العملي العام.

4. التقنية أو الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو الصناعة حسب تعبير ابن خلدون. وهي حصيلة الخبرة التقنية التي تعطي الصورة المتكاملة على صفحة الأشياء كالمظاهر والفنون التي تميز ثقافة ما عن غيرها من الثقافات.(Cool

مفهوم الأفكار:

يرى مالك بن نبي أنه لا يمكن تغيير المحيط الثقافي للإنسان ما لم يتم تغيير أفكاره، وطريقته في رؤية الأشياء وفهم المحيط الذي يعيش فيه، والمجتمع الغني حقاً هو الذي يملك الأفكار "لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من (أشياء) بل بمقدار ما فيه من أفكار".(9) ونفس المعنى يكرره بقوله: "فالمجتمع المتخلف ليس موسوماً حتماً بنقص في الوسائل المادية (الأشياء) وإنما بافتقار للأفكار".(10) ولذلك دعا مالك بن نبي لتطوير نظم المفاهيم في العالم الإسلامي، وصناعة أفكار جديدة والتخلص من سلطة الأفكار الميتة والقاتلة التي تدمر نسيج المفاهيم لدى الأشخاص.

ومن ثم نخلص إلى أن مالك بن نبي، يركز على الحضارة باعتبارها وحدة تحليل، ويعتبر الثقافة هي وسيط التغيير، والأفكار هي محرك التغيير.

أسس الحضارة عند مالك بن نبي

إن قضية الحضارة بدأت تزداد أهمية درستها يوماً بعد يوم حيث أن التجربة التاريخية تلعب دوراً أساسياً لتكوين المجتمع الحضاري المعاصر وتطلعه نحو المستقبل لأنه من المتسحيل أن يبدأ أي مجتمع انطلاقة من فراغ دون النظر في واقع تراثه الحضاري وذلك للاطلاع على إيجابياتها وسلبياتها ومعرفة المواقف والقيم التي ساهمت وتساهم في تكوين المجتمع الذي تصبو إليه.(11)

يرى مالك أن كل حضارة ينبغي أن يكون لها اتصال بماضيها وتراثها ولن يتحقق المستقبل الأفضل إلاّ بعد دراسة الماضي لأنه يحمل الكثير من مكونات الحاضر والمستقبل. فالمتأمل في أعمال مالك بن نبي الفكرية، يلاحظ أنها تحاول معالجة مسألة أساسية وهي مشكلة الحضارة فيقول مالك: "إن المشكلة التي استقطبت تفكيري واهتمامي منذ أكثر من ربع قرن وحتى الآن هي مشكلة الحضارة"(12) وقد صرح يوماً في إحدى الجرائد المصرية بأنه قد نذر حياته لدراسة مشكلات الحضارة.(13) فكانت جهود بن نبي تنصب على البحث عن حل لهذه المشكلة الإسلامية حلاً موضوعياً وذلك بمعالجة جوهرها وليس مظاهرها لأن المشكلة الرئيسية تكمن في الجوهر. ولهذا يقول "إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم

العوامل التي تبني الحضارات وتهدمها".(14) ويرى مالك أن الدين هو أساس قيام المجتمعات والحضارات أياً كانت "فالحضارة لا تنبعث كما هو ملاحظ إلاّ بالعقيدة الدينية، وينبغي أن تبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها".(15)

تعريفات بن نبي للحضارة:

هناك تعريفات مختلفة لمفهوم الحضارة عند مالك بن نبي فهو يعرفها بعبارات متغايرة في كتبه المختلفة بحسب الموضوع الذي يبحثه، فنجده يعرف الحضارة من الناحية التحليلية لمجموع مكوناتها وكأنها معادلة رياضية فيقول: "حضارة = إنسان + تراب + وقت. وتحت هذا الشكل تشير الصيغة إلى أنّ مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت. فلكي تقيم بناء حضارة لا يكفي بأن نكرس المنتجات وإنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها".(16) فهو هنا يجعل أي منتج حضاري بتفاعل هذه العناصر الثلاثة.

فالذي يقصده مالك من الإنسان هو بكونه وحدة اجتماعية وليس انفرادية، أما الوقت فهو مدة زمنية محددة بساعات معينة ينفقها الإنسان كوقتاً اجتماعياً مقدراً بساعات عمل. وأما التراب فهو ما يقدم غذاء الإنسان في صورة استهلاكية توفي بحاجات المجتمع تبعاً لعملية الإنتاج.(17)

وسأتكلم بتوسع أكثر في مكونات الحضارة في الفصل الثاني.

كما يعرف الحضارة بما ينطوي عليه من شروط أخلاقية مادية تساهم في إنتاج الحضارة فيقول: "إن الحضارة يجب أن تحدد من وجهة نظر وظيفية، فهي مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين، أن يقدم لكل فرد من أفراده، في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة، المساعدة الضرورية له في هذا الطور، أو ذاك من أطوار نموه".(18)

فينظر بن نبي هنا إلى الحضارة بمقدار ما يقدمه المجتمع من ضمانات مادية ومعنوية للفرد خلال مرحلة معينة منذ ميلاده وحتى وفاته حين ينتهي وجوده الاجتماعي.

أي أن الحضارة هي أداء اجتماعي وليس فردي.

الدورة الحضارية عند مالك بن نبي

تشكل نظر ية الدورة الحضارية التي طورها بن نبي بعد أخذها من ابن خلدون الذي يعتبر أول من اكتشف الظاهرة الدورية بما تحتويه من نقطة البداية ثم الصعود إلى القمة ثم الأفول، المدخل الذي نستطيع منه فهم دراسة بن نبي للحضارة. حيث أنه في دراسته لـ (الظاهرة الدورية) يبدأ الفصل بقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾(19) ليؤسس عليها قانون التداول الحضاري. وهذا المبدأ يرتكز على أن الحضارة أيا كانت يحكمها قانون الهجرة أو الدورة. والذي يعني في حقيقته انتقال الحضارة بقيمها من مكان إلى آخر بحثاً عن العناصر الأولية التي يحتاج إليها الإنسان. فيتم الانتقال إلى مكان جديد وبذلك تبدأ الدورة الجديدة وهكذا إلى أن تنقضي البشرية ويجب فهم هذه الدورة من أجل استيعاب فلسفة البناء الحضاري. فدراسة التاريخ من الناحية الفردية هي دراسة نفسية. أما من الجانب الاجتماعي فإن التاريخ من هذا الجانب دراسة اجتماعية لأنه يكون دراسة شروط نمو مجتمع معين. وإذا كان من الصعب تحديد معرفة جذور هذه الحركة بدقة في المكان والزمان فإن أمامنا جانبين جوهرين للحضارة "الجانب الميتافيزيقي أو الكوني، وهو جانب ذو هدف وغاية، والجانب التاريخي الاجتماعي، وهو جانب مرتبط بسلسلة من الأسباب".(20)

وهذا الأخير تتمثل فيه الحضارة وكأنها مجموعة عددية تتابع في وحدات متشابهة، ولكنها غير متماثلة، وهكذا تتجلى لأفهامنا حقيقة جوهرية في التاريخ هي دورة الحضارة. أي أننا أمام جانبين جوهريين للحضارة "الجانب الميتافيزيقي أو الكوني وهو جانب ذو هدف وغاية. والجانب التاريخي الاجتماعي، وهو جانب مرتبط بسلسلة من الأسباب".(21) فالمجموعات العددية المتتابعة هي الحضارات المتعاقبة، وهي كلها تمثل حلقات متصلة في الملحمة الإنسانية الخالدة وهذا هو وجه الشبه بينها. أما وجه الاختلاف عن بعضها هو من حيث أن "كل دورة محددة بشروط نفسية زمنية خاصة بمجتمع معين"(22) فإذا توفرت هذه الشروط كانت حضارة، ثم أنها تهاجر إذا ما اختل تركيبها إلى موطن آخر لتتحول مع إلى حضارة أخرى وفق تركيب جديد للإنسان والتراب والوقت. وفي البقعة المهجورة يفقد العلم معناه كله بسبب توقف اشعاع الروح. فبفقد الإنسان تعطشه إلى الفهم وإدراته للعمل.(23) فدورة الحضارة ـ والظاهرة الدورية كما يسميها مالك ـ تحتم علينا حل مشكلاتنا وتحديد إمكاننا من دورة التاريخ حتى يسهل علينا معرفة عوامل النهضة أو السقوط في حياتنا. "للتاريخ دورة وتسلسلاً، فهو تارة يسجل للأمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، وهو تارة أخرى يلقي عليها دثارها ليسلمها إلى نومها العميق. فإذا ما أخذنا هذه الملاحظة بعين الاعتبار، تحتم علينا في حل مشكلاتنا الاجتماعية أن نتظر مكاننا من دورة التاريخ، وألأن ندرك أوضاعنا.. فإذا ما حددنا مكاننا في دورة التاريخ سهل علينا أن نعرف عوامل النهضة أو السقوط في حياتنا وهناك فرق شاسع بين المشاكل في الدورة الزمنية الغربية وتلك التي في نطاق الدورة الإسلامية".(24)

يرى مالك أن كل حضارة تقع بين حدين هما الميلاد والأفول. ويمكن عرض نظرية مالك في تركيب الحضارة في صورة تخطيطية. فالمنحنى البياني يبدأ من النقطة الأولى في خط صاعد حتى يصل إلى مستوى نقطة أخرى في خط نازل. أما المرحلة التي تتوسط هذين الخطين فهي مرحلة وسيطة وهي مرحلة القمة وهي طور انتشار الحضارة وتوسعها.(25)

فالظاهرة هي وجود محورين تنتقل من الواحد إلى الآخر القيم الحضارية بصورة دورية، كأنما تاريخ الإنسانية يصنع على محورين بينهما حركة مد وجزر مستمرة تنقل القيم الحضرية"(26)

(27)

وقد يحاول مالك تطبيق هذا الرسم البياني على حركة التاريخ الإسلامي، وذلك للوقوف على اتجاه حركة الحضارة الإسلامية في صعودها وهبوطها وذلك ليعرف المسلم تاريخه كقيم ومفاهيم.(28) "وقبل بدء دورة من الدورات أو عند بدايتها يكون الإنسان في حالة سابقة للحضارة. أما في نهاية الدورة فإن الإنسان يكون قد تفسخ حضارياً وسلبت منه الحضارة تماماً، فيدخل في عهد ما بعد الحضارة"(29) وهي مرحلة الانحطاط حيث لم يعد الإنسان والتراب والوقت عوامل حضارة بل عناصر خامدة غير متفاعلة.(30)

إن نقطة الصفر في الرسم البياني التي تسجل الحالة السابقة على الحضارة هي بداية ظهور تركيب العناصر الثلاثة ـ الإنسان والتراب والوقت ـ مما يؤدي إلى ميلاد مجتمع معين. ولكن عالم الأشخاص والأشياء لم يوجد بعد. أما عالم الأفكار فإنه يحتوي على بذرة إمكانياته "كما تحتوي النطفة كل العناصر العضوية والنفسية المهمة في تركيب الكائن" وبهذا يمكن التقرير "أن الفكرة التي غرست بذرتها فيحل التاريخ هي فكرة دينية"

أي أن الدين هو أساس بناء المجتمع وهو يخلق نظاماً اجتماعياً للأفراد. فكلما قويت العلاقة الدينية بين نقطة الصفر ونقطة أ، فإن درجة الفراغ الاجتماعي تقل وهي الهدف والمثل الأعلى لجميع الشرائع التي تحاول جاهدة سد أي فراغ اجتماعي.(31)

وفي النقطة أ توقفت النهضة الإسلامية حينما حدث أول انفصال في التاريخ الإسلامي وذلك مع بدء معركة صفين (38هـ) بسبب ذهاب الروح إلى حب السلطة والنزعة القبلية أي أن الروح تفقد نفوذها على الغرائز بالتدريج ومنذ ذلك الانفصال فقد العالم الإسلام قوته وتوازنه ولكن الفرد المسلم ظل متمسكاً في داخله بدينه الإسلامي وعقيدته حتى سقوط دولة الموحدين عند النقطة ب.(32)

أما النقطة ب فإنها تمثل نقطة الانكسار في منحنى التطور التاريخي وهي تتمثل بانقلاب القيم الأخلاقية داخل حضارة معينة. أي أن الإنسان المتحضر فقد همّته وأخلاقه الحضارية فعجز عن تطبيق إبداعه ومواهبه على التراب والوقت مما يؤدي إلى تحلل الحياة الاجتماعية لتحل مكانها الحياة البدائية وقد بدأت هذه المرحلة في التاريخ الإسلامي بسقوط دولة الموحدين في الأندلس الذي يمثل سقوط الحضارة الإسلامية الخالدة فبدأ تاريخ الانحطاط وكان ذلك في عهد ابن خلدون.(33)

نلاحظ من الرسم أن لدورة الحضارة تمر بثلاثة مراحل مختلفة تبدأ بنقطة الصفر التي تمثل إنسان الفطرة فالمرحلة الأولى هي مرحلة الروح (من نقطة الصفر إلى النقطة أ) وهي تتمثل بعلاقات اجتماعية قوية وممتدة وتوحي بعبارة من القرآن "البنيان المرصوص" كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾(34) كما أن الفرد في هذه المرحلة يكون في أحسن ظروفه وفاعليته الاجتماعية.

أي أنه بمعنى آخر "هذا هو العصر الذهبي بالنسبة لأي مجتمع، لا من أجل أنه يبلغ آنئذ أوج ازدهاره، وإنما لأنه يتمتع بميزتين: فقواه جميعاً في حركة، وهذه الحركة دائمة صاعدة".

أما في المرحلة الثانية (من النقطة أ إلى النقطة ب) فإن العلاقات الاجتماعية لا تزال قوية ولكن قد ظهر عليها بعض الشوائب والنقص. فالمجتمع يواصل نموه ولكن ليست كل قواه في نطاق الحركة، فلم يعد الفرد المسلم، وهو يباشر وظيفته الاجتماعية، يعمل بكامل طاقته لأن جانباً من الطاقة مضى إلى السكون.

أما المرحلة الثالثة (من النقطة ي إلى النقطة ج) فإن الغرائز تتفكك وتسود الفردية تبعاً لتحرر غرائز الأفراد مما يؤدي إلى انهاير العلاقات الاجتماعية فيختل نظام الطاقة الحيوي وهو ما يسمى بعصر الانحطاط وهو العصر الذي هيأ في العالم الإسلامي الظروف الملائمة للقابلية للاستعمار ثم دخول الاستعمار حقيقة.(35)

يتجلى لنا مما سبق أن مجتمع ما قبل الحضارة يمثل انطلاق الحضارة بينما يمثل مجتمع ما بعد التحضر ـ عند نقطة نهاية تدهور الحضارة ـ القاعدة لانطلاقها من جديد حسب رأي مالك بن نبي.

مكونات الحضارة

يرى مالك كما ذكرنا سابقاً أن عناصر أو مكونات الحضارة هي:

إنسان + تراب + وقت.

فأول ما يجب أن نفكر فيه عندما نريد أن نكون حضارة هو التفكير في عناصرها تفكيراً كيميائياً. لأنه إذا حللنا الحضارة إلى مكوناتها فإن هذا يعتبر بناءاً وليس تكديساً. فعندما تحلل أي منتج من منتجات الحضارة فإننا نجدها تتكون من ثلاثة عناصر وأول هذه العناصر هو الإنسان لأنه هو الذي جاء بالفكرة ثم صنع المنتج بيده.(36)

فالإنسان هو محور الفاعلية في حركة الحضارة الإنسانية محدد بالعقل الفكري، وتكوينه الثقافي التي استمده من بيئته الحضارية، "فكل تفكير في مشكلة الإنسان بالنسبة إلى حظه في الحياة هو في أساسه تفكير في مشكلة الحضارة".(37)

وتحتل الثقافة بالنسبة للإنسان المرتبة الرئيسية في بناء شخصيته، لأنها الرحم الذي تنمو فيه أفكاره وتطلعاته وتتحدد فيه قيمه وأهدافه. فالثقافة التي تقوم على أساس إسلامي هي التي تحقق التوازن في داخل الإنسان وتعلمه كيف ينخرط في الجماعة ليؤدي دوره من خلاله بشكل متكامل أي أن إصلاح الثقافة يعني إصلاح الفرد والمجتمع.(38)

فتربية الإنسان هي ما يتوافق مع سنة الحياة وروح الإسلام الذي يحض على التكافل الاجتماعي فقد جاء الخطاب في كتابه العزيز: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾.(39)

فمعنى الحضارة "أن يتعلم الإنسان كيف يعيش في جماعة، ويدرك في الوقت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكات العلاقات الاجتماعية، في تنيم الحياة الإنسانية، من أجل وظيفتها التاريخية"(40)

ومن هنا يمكن أن نجمل القول بأن التقدم الحضاري يعتمد على دور الإنسان وفعاليته في المجتمع وذلك لأن "القضية ليس قضية أدوات ولا إمكانيات، إن القضية في أنفسنا، أن علينا أن ندرس أولاً الجهاز الاجتماعي الأول هو الإنسان".(41)

أما العنصر الثاني فهو التراب وهو يعني كل ما على وجهها وفي باطنها من ثروات.

وليس المقصود بالتراب هنا البحث في خصائصه وإنما البحث في قيمته الاجتماعية بكونه عاملاً من عوامل النهضة الحضارية. فكلما ارتفت قيمة الأمة وتقدمت حضارتها كلما ارتفع قيمة التراب، وكلما تخلفت الأمة أصبح ترابها على قدرها من الانحطاط.(42)

وهذا التراب من ناحية يتصل بالإنسان في صورة الملكية للأرض فيكون شيئاً حيوياً أما من ناحية أخرى فإنه يتصل بالإنسان من الناحية العلمية والسيطرة الفنية.(43)

أما العنصر الثالث فهو الزمن أو الوقت وما يقصد به هو قيمته عند الإنسان وليس المقصود الزمن المطلق. ويرجع ازدهار الحضارة الإسلامية السابقة في سرعة مذهلة إلى تقديس المسلمين للوقت آنذاك(44) فالوقت يمر على السواء في كل أوض على كل شعب وفرد "ولكنه في مجال ما يصير (ثروة) وفي مجال آخر يتحول عدما".

فيجب اغتنام الفرص من الحياة من أجل العطاء فإدراك قيمة الوقت فرداً وجماعة هو إدراك لقيمته التي لا تعرض في العملة الوحيدة التي لا تسترد إذا ضاعت "إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع وأن يجدها المرء بعد ضياعها، ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة ولا أن تستعيدها إذا مضت".(45)

فكل منتج من المنتجات الحضارية تتكون من هذه العناصر الثقة. ويرى مالك أن "حتى الكلمة فإنها تعتبر منتوجاً حضارياً" ثم يقول: "فإنا إذن حينما أحاول التخطيط لحضارة فليس على أن أفكر في منتاجتها، وإنما في أشياء ثلاثة".(46)

يمكن إذن التعبير عن كل منتج حضاري بمعادلة رياضية كالتالي:

منتوج حضاري = إنسان + تراب + وقت

وذلك لكل منتج على مدة حتى أصل إلى آخر منتج. وحين انتهى من تكوين المعادلات لكل المنتجات يمكن عندئذ جمعها عمودياً لانتهاء إلى هذه النتيجة الشاملة.

مجموع منتجات حضارية = مجموع إنسان + مجموع تراب + مجموع وقت

ومجموع هذه المتجات الحضارية هو أساساً الحضارة نفسها في صورة غير مركبة أيأن النتيجة التحليلية في النهاية تؤدي إلى أن:

حضارة = إنسان + تراب + وقت

ومن هذه المعادلة النهائية نستنتج أن الحضارة هي بناء مركب اجتماعي لثلاثة عناصر وليست عملية تكديس المنتجات الحضارية.

وهذا المفهوم الأول للحضارة عند ابن نبي الذي يعتبر أن الإنسان هو محور الفاعلية بين العناصر الأساسية للحضارة. فإذا كان هذا الإنسان لابُدّ أن ينتقل من ذاتيته إلى الفرد الاجتماعي الحضاري من عالم الأشخاص فإن ذلك لم يتحقق بمعزل عن عالم الأفكار التي تحسن استخدام الوسائل وكذلك لابد من وجود عالم الأشياء التي تمزج للأفكار فرصة إبداع الصناعة والإنتاج وللإنسان رفاهيته وأمنه.(47)

ولهذه المعادلة الأخيرة شروط معينة حتى تتفق مع واقع التاريخ. فالتاريخ يدلنا على أن المركب الذي يتدخل في تركيب هذه العناصر الثلاثة هو الدين كعامل مركب للحضارة لأن هذه العناصر الثلاثة ليس كافية لتشكيل الحضارة بل لابد من المحرك الذي يحول هذه العناصر من حالة خام جامدة إلى حالة متحركة صانعة للحضارة، وهي العقيدة الدينية بمعناها العام.

"أن مالك يطرح الإسلام كملهم لقيمنا وقادر على استعادة دور الإنسان مبرأ من ثقل الحضارة الإمبراطورية، وهو يرى أن الإسلام لا يقدم إلى العالم ككتاب وإنما كواقع اجتماعي يسهم بشخصيته في بناء مصير إنسانية وهو من هذا الجانب بمنح الفكر الإسلامي الحديث نظرة في عمق التجربة الحضارية تقيله عثرات التقليد والتقوقع في معطيات الحضارة الغربية والعالم الصناعي المعاصر".(48)

فحينما نأتي بالحلول المناسبة للمشكلات التي تواجهها هذه العناصر فإننا نكون قد حققنا الإنسجام مع سير التاريخ مما يؤدي في النهاية إلى الحضارة.(49)

وفي الاخير يمكن القول أن مالك بن نبي يعد رائدا ومجددا بالنسبة للموضوع وبالنسبة لطريقة المعالجة العلمية وكيفية تحليل الظاهرةوتشخيص الأمراض التي يعاني منها المسلمون.

لقد اعتبر مالك بن نبي مشكلة الحضارة هي المشكلة الكبرى التي تظم عدة مشكلات جزئية متداخلة، وحذر من تجزيئ المشكلة وتفتيتها لأن ذلك من شأنه أن يحول دون النظرة الحقيقية لما عليه المسلمون من تخلف وإنحطاط. ومالك بن نبي لم يكن من المفكرين الذين يجاملون أراء العامة أو يلقي تبعية التخلف على الاستعمار أو القوى الخارجية ولكنه يتوجه بالنقد الذاتي للإنسان المسلم وللمجتمع المسلم ويحمله مسؤولية وضعه المتخلف وفي نفس الوقت مسئولية تغييره
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مالك بن نبي والحضارة الاسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» راديو الاناشيد الاسلامية
» يا ربيعة مالك وللصديق
» البراء بن مالك رضي الله عنه
» نشيد مالك غير الله
» مالك بن دينار - اشتقت ان اتزوج

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: عبق التاريخ :: شخصيات تاريخية-
انتقل الى: