القرآن الكريم كنز لا يفنى وجديد لا يبلى. إنه بحر علم لجي يسبح فيه المؤمنون ليغترفوا من لآلئه المنثورة. فهل غصت في بحر علومه الفياضة لتغذي نفسك وعقلك وقلبك بثماره الطيبة الحلوة ؟ ولتتداوى ببلسمه الشافي ؟ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اقرؤوا القرآن، فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن. إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر".
ثم هل يكتمل تنعمك بمأدبة الله إن لم تسع ليحفظه أبناؤك لتكون وإياهم من أحبابه وأصفيائه ؟
أخرج الطبراني وابن النجار عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه".
هذا الحديث الشريف يجعل إذن من القرآن محور العملية التربوية، ومورد العلم وجامع العلوم. فهل تعلم أيها الأب، وأنت أيتها الأم أن النسيج الأساسي لشخصية الطفل يتكون خلال السنوات التسع الأولى؟ فحق الأمة إذن وحق الرسالة أن تكون الأسرة وامتداد نفوذها وتأثيرها في المدرسة والجامعة قد غذت الولد منذ صباه الباكر بالقرآن الكريم والتوحيد. أول كلمة تفرحين بها أيتها الأم تخرج من فم الصبية والصبي لاإله إلا الله. فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله" رواه الحاكم.
وهكذا ينبغي لولي الصغير والصغيرة أن يحرصا على تعليمهما القرآن حتى تسري روحه في قلوبهم، ونوره في أفكارهم ومداركهم وحواسهم منذ الصغر، وبهذا ينشآن على محبة القرآن والتعلق به والتخلق بأخلاقه والسير على منهاجه.
هذا دوركما أيها الوالدان. فما لكما من أجر ؟
عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن " رواه الحاكم (1 / 756).
أرأيتما أية كرامة هذه التي تنتظركما، أيها الوالدان، إن سعيتما ليحفظ أبناؤكما كتاب الله ؟
ثمانية نصائح ذهبية لحفظ القرآن
1- إخلاص النية لله تعالى وابتغاء وجهه بهذا العمل.
2- هيئا للطفل الظروف الملائمة مع التشجيع الدائم وتنويع الأساليب حتى لا يمل.
3- صححا لطفلكما النطق بالقرآن وذلك بالقراءة على من هو أفقه منه ما أمكن.
4- حددا له قسطا يوميا للحفظ يواظب عليه ولو كان القسط صغيرا، ذلك أن خير الأعمال أدومها وإن قل.
5- يرفع الطفل صوته نسبيا أثناء الحفظ لأن خفض الصوت مدعاة للكسل والنعاس.
6- لا ينتقل إلى قسط جديد من القرآن، حتى يجيد حفظ القسط القديم.
7- الدعاء له : "اللهم اجعله من حملة القرآن".
8- اغتنما أيها الوالدان سن الحفظ الذهبية (من 7 سنوات إلى 15 سنة).
وهكذا يمكن تحفيظ القرآن لأولادنا حسب التوزيع التالي :
*7 سنوات يحفظ 3 أحزاب
*10 سنوات يحفظ 15 حزبا
*15 سنة يحفظ القرآن كله
كما قال الشاعر:
تعلم يا فتى والعود رطب *** وطينك لين والطبع قابل
حفظ القرآن نعم، ولكن...
حذار أيها الوالدان أن يدفعكما الحرص على تحفيظ القرآن لأبنائكما إلى إكراه الصغار على الحفظ وحرمانهم من اللعب، أو إلى التفريط في الدراسة أو تحميل الطفل فوق طاقته حتى يحفظ قبل أقرانه، ولتحرصا أيها الوالدان على مكافأة الطفل على ما يحفظ وجعل كل مرحلة يقطعها في الحفظ مناسبة للاحتفال به والتنويه باجتهاده والافتخار بإنجازاته، وهكذا تصنع ذكريات الطفولة الجميلة التي لا يخفى على أحد أهميتها في صياغة شخصية متوازنة وقوية.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين "ذكريات الطفولة مؤسسات للشخصية، نربطها بالمسجد والقرآن. فأول خطى الطفل إلى المسجد، يأخذ بيده أبوه وعمه وأخوه، مناسبة يحتفل بها في الأسرة، يلبس الطفل لباس الأعياد، ويعود ليحتفظ في ذاكرته بحدث مهم في حياته. كان أجدادنا رحمهم الله أفضل منا ولاء للقرآن، يختم الطفل ختمة كاملة فيركب فرسا ويزف كما تزف العرسان، احتفاء به إن حفظ من آيات الله. ويختم نصف ختمة وربعها وعشرها فيفعل به من البر والاحتفال" (تنوير المومنات ج2).