وإن في البحر لآيات...

وإن في البحر لآيات...

يملأ البحر ثلاثة أرباع الأرض، وهو في اللغة ضد البر، وقد سمي بهذا الإسم لاتساعه وعمقه . جمع أبحر وبحار وبحور، وتطلق العرب على كل متوسع في علمه بحرا. من فتح الله بصيرته دعاه البحر للتسبيح ، فيقف على تجليات الحق سبحانه من قوة وعظمة وقدرة وجلال، ليعرف حقيقة نفسه وحجمها.
ولنا في سيرة سيدنا يونس عليه السلام العبر.
جمال يبهر الأنظار، وأسرار تحير علماء البحار بعد تطور الأقمار الصناعية والتصوير عن بعد. نستعرض وإياك عزيزي القارئ بعضا من هذه الآيات.
برزخ مائي
يقول الله عز وجل : (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) سورة الرحمن،الآية : 19؛ وقال تعالى وجعل بين البحرين حاجزا) سورة النمل، الآية: 61. في رحلة تشالنجر التي قام بها علماء البحار مابين عامين 1873 و1876 لاستكشاف أغوار المحيطات تم اكتشاف حاجز مائي، برزخ يفصل بين بحرين mixed-water area، أو water-bar كالذي يفصل بين مياه المحيط الاطلسي والبحر الابيض المتوسط وبين مياه البحر الاحمر وخليج عدن وفي بحار اخرى من العالم . في هذا الحاجز يختلط البحران اختلاطا بطيئا يجعل الماء لايعبر إلى احد البحرين حتى يكتسب خصائص البحر الذي ينتقل اليه, وبالرغم من تاثير قوتي المد والجزر فإنهما لا يمتزجان، ولا يطغى الواحد منهما على الآخر، ليبقى كل منهما محتفظا على خصائصه وكائناته الحية الملائمة لبيئته ودرجة ملوحته. هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج. لا اله إلا الله. فضل منه سبحانه لتبقى الأرض صالحة للعمران ولضمان استمرار الحياة بمختلف أشكالها: الإنسانية والحيوانية والنباتية ،( وجعلنا من الماء كل شيء حي) سورة الأنبياء، الآية:30.
البحر المسجور
سجر التنور، أي أوقده حتى أحماه؛ والبحر المسجورهو المملوء بالماء المكفوف عن اليابسة والمتوقد الشديد الحرارة ، والسجور: هو ما يسجر به التنور من الوقود، والسا جور:هوخشبة تجعل في عنق الكلب. يقال كلب مسوجر: أي محكوم، والمسوجر: هوا لمغلق المحكم الإغلاق من كل شيء.
يقسم الله عزوجل بالبحرالمسجور، وقد اختلف المفسرون في معنى المسجور فقال بعضهم أي أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله تعالى وإذا البحار سجرت)، أي أضرمت فتصير نارا تتاجج محيطة بأهل الموقف، كما روى ذلك سيدنا ابن عباس وسيدنا علي رضي الله عنهما، وقال سيدنا قتادة رحمه الله: المسجور المملوء الممنوع والمكفوف عن الارض لئلا يغرق أهلها، وفي ذلك روى الامام أحمد رحمه الله في مسنده عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عزوجل).
البحر المسجور آية كونية من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء، لأن الحرارة والماء من الأضداد؛ فقد قام علماء البحار بالغوص في أعماق المحيطات، فوجدوها قد ملئت بشبكة من الصدوع والتشققات وهذه الصدوع تندفع منها حمما وصهارة صخرية ذات درجة حرارة عالية تسجر البحر، فلا الماء على كثرته يستطيع ان يطفئ جذوة هذه النار، ولا هذه الحرارة الملتهبة على ارتفاع درجة حرارتها- أكثر من ألف درجة مئوية- تستطيع أن تبخر هذا الماء. سبحان ربي العظيم.
كثيرة هي الحقائق العلمية التي لم يتمكن الانسان من اكتشافها إلا في أواخر القرن العشرين، وما خفي من مكنونات وأسرار الله عز وجل في كونه أعظم؛ ولله الحمد والمنة والفضل فقد سخر الله عز وجل هذا البحر بثرواته وخيراته لهذا الانسان تفضيلا وتكريما يقول الله عز وجل ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البروالبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) سورة الإسراء، الآية: 70.
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.