هل لنا أن نحلم بغد أفضل ؟
ابن السابعة والعشرين يطعن أمه فيرديها قتيلة، ويضرم النار في البيت
امرأة تقتل زوجها وتقطعه إربا
. أبناء أغنياء يستودعون والديهم في دور العجزة
. جارة تبرح جارتها ضربا وتحرض أبناءها على استفزاز الجيران بما لا يليق من القول والعمل
. فلان يحرم أخته الأرملة أم البنين والبنات حقها من الميراث
...
لست بصدد سرد عناوين أفلام أجنبية للإثارة والتشويق. إنها الحقيقة التي نسمعها ونقرؤها ونراها يوميا في وسائل الإعلام المحلية والدولية.
لا شك أخي القارئ أنك مثلي ضاقت نفسك من الهواء الملوث وترغب في نزهة لشم هواء نقي في رحاب أقصوصة، ورفقة أبطال حقيقيين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
الحاجة فاطنة واحدة منهم، امرأة في عقدها الثامن. كفلت أسرتها أنثى وثلاثة ذكور بعد وفاة زوجها مبكرا. امرأة عصامية، زاولت مهنا متعددة، أهمها غزل الصوف وبيعه. محبوبة وسط جيرانها وأهلها. عرفت بصلة الرحم والكرم والصلاة لوقتها تردد المثل العامي إذا رأت من ينشغل بالأكل عن الصلاة "شبع كرشه وتفكر عرشه". عاشت مع أقرانها ظروفا قاسية، إلا أن هاته الظروف كانت سببا في الترابط والتكافل والتحاب، أولا تصفي النار الذهب ؟.
عمي المصطفى وخالتي رقية أعز أصدقائها. دامت العلاقة بينهم أزيد من خمسين سنة. التزاور من سننهم المؤكدة رغم أحوالهم الصحية المتردية. عمي المصطفى، على نحافة جسمه وضيق تنفسه، يجر دراجته القديمة لتوصله عند الحاجة وقد أقعدها المرض. يجلس لوقت قصير، يحتسي فيه كأس شاي أو فنجان قهوة، يتساءلان فيه عن أحوال بعضهما. لعلها كانت آخر زيارته، تلك التي التقيته فيها الصيف الماضي، فقد انتقل إلى رحمة الله تاركا وراءه ذكرى طيبة وذرية بارة تصل ما وصله الأب من حين لآخر.
أما خالتي رقية، وقد انحنى ظهرها وتقوس وأزمن فيها الربو، تقصد الحاجة رغم طول المسافة. تتكأ بيمينها على الحائط وبشمالها على حفيدتها. وفي أغلب الأحيان على زوجة ابنها. لتصل إلى عين المكان والعرق يتصبب، والأنفاس تكاد تنقطع.
تستقبلها صويحبتها بالترحاب والإكرام. وإذا جلست خالتي رقية للمبيت سارعت رفيقة دربها بتزيين يديها وقدميها بالحناء. مهمة أوكلتها إلى إحدى حفيداتها بعد مرضها. قوم صانوا الود ويصونونه حتى ولو أقعدهم المرض. حقا ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل. محبة خالصة ليس من وراءها مصلحة.
سكنت الحاجة فاطنة – في بداية حياتها الزوجية – خيمة. ثم اضطرت للتنقل من البادية إلى المدينة بعد وفاة زوجها لتحل بمنزل بسيط. وبعدما كانت تعول أربعة أفراد أصبحت تعول أربعة أسر.
عاشت تحلم دائما بلقمة نظيفة ومسكن جميل. الآن وقد بلغت المسكينة من الكبر عتيا، فشاب شعرها وانحنى ظهرها وشل نصفها، ودنا أجلها، وتفرق عنها أبناؤها إلا كبيرهم، ورغم ذلك لم تفقد الأمل. حق من أبسط حقوقها، عاشته حلما ولا تزال ربما يتحقق وربما لا، في زمن يسوده قانون الغاب. لكن الأكيد أن دار القرار والاستقرار تنتظرها وتنتظرنا لتجزى كل نفس بما كسبت.
بر الوالدين وصلة الرحم وحسن الجوار و... لب ديننا الحنيف وجوهره توارثته الأجيال من نبعه الصافي. زرعوا فأكلنا فهل نزرع ليأكلوا ؟.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.