عواصم ـ مراسلون (لها أون لاين):
مصطلحات شبابية وتقليعات جديدة في الزى "الملابس" وطريقة جديدة في التفكير، نحاول من خلال هذا التحقيق بحث صور وأشكال التقليعات الجديدة والشاذة للشباب، وبحث هذه التقليعات مع أولياء الأمور، وبعض المختصين للوقوف على أسبابها وطرق علاجها.
تقاليع لها العجب
في مصر يثير انتباهك استخدام الشباب بكثرة لمصطلحات اللغة الإنجليزية؛ بل وتعدى الأمر إلى اصطلاح الشباب على مفردات لغة جديدة يسمونها الروشنة، وبعض الشباب يقوم بتقليد غيره في شرب السجائر، وبعض الكحوليات فضلا عن الملابس المثيرة التي يرتدونها من سلاسل معلقة في الرقبة كالحيوانات وبنطلون ساقط للشباب، وبلوزة قصيرة تظهر البطن للفتيات.
يبدي صلاح عثمان (طالب بإحدى الجامعات الخاصة) دهشته من سلوكيات الشباب الشاذة يقول: نفاجأ يوما بعد الآخر بتقليعة جديدة، مثل: لبس بعض الطلاب سلاسل ذهب، ولبس بعضهم ملابس تشبه ملابس النساء والبعض يلبس بنطلون "ساقط" من وسطه. والأنكى من ذلك أن بعض الشباب وصل به الأمر أن يضع أحمر شفاه على خديه تقليدا للفتيات! وبعض الفتيات كذلك يقلدن الشباب تقليدا أعمى، فيشربن السجائر والمشروبات الكحولية كما يفعل الشباب.
أما سلوى إحدى الفتيات تبدي إعجابها الشديد بهذه التقاليع، وتؤكد أنها مقتنعة لأنها شابة ومن حقها أن تستمتع، وأن وسائل الاستمتاع الحقيقية أن تخرج من "المود" الذي يعيش فيه بقية جيلها حتى وإن كان ذلك تقليدا أعمى لبعض السلوكيات.
و في فلسطين تكاد الصورة لا تختلف كثيرا، فهذا عبد الرحمن في ربيع عمره الثامن عشر، يمشي في أحد شوارع غزة الراقية مشية ملفتة للانتباه، يبدو وكأنه غصن في شجرة داهمتها ريح عاصف، فيتمايل يمنة ويسرة بدلال منقطع النظير، و يأخذك العجب أكثر إذا أمعنت النظر في لباسه وهيئة شعره، لكنه كما يقول: مقتنع بها، ويرى أنها تميزه عن الكثير من الشباب، وفي ذات الوقت عندما رأيناه كان يرتدي بنطالاً مصنوعا من الجينز على آخر صيحات الموضة (سكني) أي ضيق من الأسفل ومن الأعلى ذو خصر ساحل يكاد يمسك بعظمة خصره بمساعدة حزام من الجلد ذو بكلة عريضة لجمجمة عليها إشارة الخطر، بينما (التي شيرت) يبدو وكأنه صحيفة إعلانات إذ ضج بكتابات باللغة الإنجليزية لا يفهمها، ولم يكن اقتناها إلا لمجرد أنها الموضة فقط، وهي تلتصق بجسده (بدي) بالكاد تلامس الحزام على وسطه، بينما وجهه بدا لامعاً! قد يكون قد وضع كريماً مضاد لأشعة الشمس، وشعره قد أمضي على الأقل نصف ساعة في تصفيفه بداية من الغسل بالماء، ومن ثمَّ إغراقه بالجل، وأخيراً بنكشه وقوفاً كالقنفد، ومع ذلك يؤكد عبد الرحمن أن ما يفعله في حدود المعقول من مجاراة الموضة، فغيره من الشباب يعمد إلى إنزال البنطال كثيراً لتظهر منه ألوان الملابس الداخلية إن قام بأي حركة.
أما في السعودية فلابد أن يلفت نظرك أيضا التقليعات الشاذة من بعض الشباب والفتيات، فهذه سلاسل للأولاد وهذا شماغ للبنات، وهذه تسريحة منكوشة يطلقون عليها سبايكي، و هذه تسريحة تشبه الطاووس يطلقون عليها الكدش، وبعض الشباب ينزل بنطاله إلى درجة مخيفة، فإذا اندفعت بسرعة لتنبهه أن بنطاله سيسقط ضحك من سذاجتك، ونظر إليك بسخرية متعجبا من جهلك بالصراعات والموضات الحديثة، إنها الموضة الشهيرة لووسيت أو طيحني بلغة الشباب.
نوف حكمي من جدة تقول:" للأسف كل هذه التقليعات بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي، بداية من قصة القزع إلى البناطيل التي تؤذي الناظرين وتخدش حياءهم، إلى ما هو غريب على الفطرة السليمة، من تقليد الأولاد للبنات! حتى البعض منهم يشتري القمصان من محلات الملابس النسائية، وأصبح استخدام الماكياج و اكسسورات الشعر أمرا عاديا في بعض الأوساط .
ويلفت أبو عبد الله سعيد باهمام إلى أن هناك بعض الألبسة التي يرتديها الشباب عن غير وعي؛ ترمز لمعتقدات منافية للدين الإسلامي! مطالبا بمنعها من قبل وزارة التجارة أو الجهات المسؤولة.
ليس كل تقليعات الشباب مرفوضة
في البداية تقول دعاء نبيل ـ خريجة طب أسنان ـ ليس كل ما يقوم به الشباب تقليعة جديدة، وليس كل تقليعة جديدة مرفوضة، فهناك أشياء كثيرة للشباب محمودة ومن هذه الأشياء: العلاقات المتينة، والصداقات المخلصة بين هؤلاء الشباب.
وأضافت، أن أزمة الشباب الحقيقية ليست في ألفاظ يتهامسون بها، أو زى يرتديه هؤلاء الشباب، بقدر ما أن الأزمة في منهج حياة يعيشه هؤلاء الشباب وفي طريقة تفكيرهم التي أصابها العقم.
وأرجعت دعاء، السبب وراء لجوء بعض الشباب إلى تقليعات جديدة وشاذة؛ إلى أن هؤلاء الشباب يحتاجون أن يشعروا بأنفسهم أكثر ولذلك يحتاجون إلى أن تكون لهم لغة خاصة وزي خاص بل وحياة خاصة.
وأنهت دعاء كلامها بالقول،: "من تقليعات الشباب الجديدة اختراع لغة جديدة تسمي الفرنك عربي يقوم هؤلاء الشباب بإرسال رسائل الجوال بها، وهذه اللغة لا يفهمها سوى الشباب فقط بما يدل على خطورة هذه التقليعات".
دور الآباء والأمهات
وتقول سارة علي (أم): "إنها كثيرا ما تفشل في التعامل مع أبنائها، وتلجأ إلى والدهم لتغيير بعض السلوكيات الشاذة" غير أنها رجعت وقالت: "إن هذه النتيجة تأتي غالبا بأثر عكسي، حيث يعند الأولاد من جانب، ويقسو والدهم عليهم من جانب آخر مما يترتب عليه تفاقم المشكلة".
أما طارق عبده ولي أمر لثلاثة بنات فيقول: "فوجئت بإحدى بناتي ذات يوم تردد بعض المصطلحات الغريبة وغير المفهومة، فمثل ذلك بالنسبة لي صدمة! وقمت بالتعامل مع الموضوع بحكمة وحنكة شديدة، حيث تحدثت معها كثيرا حول استخدامها هذه المصطلحات، وجدوى استخدامها لها، وانتهى الحديث الودي بيننا بوعدها ألا تكرر ذلك مرة أخرى، وهو ما حدث بالفعل".
أما إيمان من فلسطين ـ وهي في الأربعينات من عمرها وأم لثلاثة أبناء ذكر وحيد وفتاتين ـ، صرحت أن النصيحة لا تنفع مع أحد منهم، فالفتيات تعمدن إلى لبس العباءة المخصرة، ويتحجبن بحجاب البف، وطالما أعلمتهنّ أنه لا يضفي عليهنَّ جمالاً بل غالباً ما يشوه مظهر رؤوسهنّ فتبدو وكأنهن حاملات فوقه جرة، ناهيك عن تبيان حديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام الذي وصف فيه أصناف من الناس يدخلون النار لم يظهروا في عصره فقال صلى الله عليه وسلم:"رؤوسهن كأسنمة البخت".
أما أم براء فتؤكد أنها تأخذ بعض المواقف من أبنائها حيال ما ينتهجونه من تقليعات، فتكون حيادية فلا تبدي عدم اهتمامها بالأمر، ولا أيضاً تتخذ أسلوب المنع والردع المبالغ فيه، فباستطاعتها أن تهون الأمر قليلاً.
وتشاركها الرأي أم حسن في الثلاثين من عمرها، تؤكد على ضرورة توعية للشباب والفتيات على حد سواء، لعدم الانجرار لهذا التقليعات التي تسيء إلى المجتمع المسلم، وتأتي بعادات غريبة ليس الإسلام منها في شيء، وأضافت:"علينا أن نعمل على أن نعيد المجتمع الإسلامي إلى عزه، برجاله شبابه الذين هم عز الأمة، و أن نعزز في الشباب ثقتهم بأنفسهم وأنهم يمتلكون الكثير من الأعمال النافعة؛ ليقوموا بها بدلاً من إهدار أوقاتهم وأموالهم على تقليعات الموضة التي لا تجر إليهم إلا المزيد من المآسي والآلام".
وأضافت قائلة:" الحديث عن التقليعات حديث ذو شجون، فأي والدين يرضيا عن ملابس أو أفعال أبنائهم المقززة أي رضا؟ وهم يرون تعب تربيتهم يذهب سدى، ويرون أبنائهم الذكور يرتدون الأحمر والوردي! ويلبسون الأساور والبناطيل الضيقة؟"
طبيب الأسنان محمد ساسا ذكر أن كثيرا من الشباب يرغب في تقليد التقليعات الجديدة بدون فهم لمعناها! أو لما ترمز إليه، فالبعض يطلب منه كطبيب أسنان لصق أشياء معينة على أسنانهم، وتكون هذه التقليعة ترمز لشيء مسيء للأدب، وعندما يوضح لهم ما ترمز إليه التقليعة؛ البعض يقتنع برأيه، والبعض يصر على اعتبار أنها مجرد صرعة جديدة.
التقليعات بين الدوافع والعلاج
تفسر الدكتورة أمينة بدوي أستاذة علم النفس بجامعة بنها، الظاهرة بقولها: "غياب دور الأسرة مع الوسائل التربوية الموازية من مدرسة وجامعة وراء تردي حال الشباب، وتقليد بعضهم البعض بهذه الطريقة المستفزة".
وأضافت: أن هذا التقليد يأتي نتيجة لعدم استثمار الوقت بشكل مناسب من قبل الشباب، وبالتالي ينطبق عليهم المقولة التي تقول: "إن لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل".
بينما يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأقصى بغزة د. درداح الشاعر أن رغبة الشباب وتطلعهم إلى الجديد؛ تقف وراء انجذابهم إلى تقليعات الموضة حتى لو كان مخالفاً للعرف، مؤكداً أنها رغبة نفسية يحاول من خلالها الشباب تأكيد الذات، أو إثبات الذات أو مخالفة ما هو متعارف عليه، وأضاف أن شعور الشباب بالإحباط في كثير من الأحيان يدفعهم إلى تقليد تلك الموضات.
من ناحية أخرى لفت د.الشاعر إلى مسؤولية الأسرة لانجرار أبنائها وراء تلك التقليعات، مطالباً إياها أولاً وقبل رفض ما يأتي به الابن تفهم احتياجاته النفسية والاعتراف بشخصيته والاقتراب منه أكثر فأكثر، فلا يشعرونه بأنه ما زال طفلاً ولا يشعرونه بأنهم عاجزين غير قادرين على اتخاذ قرار.
وأضاف أنه يجب على الأسرة أن تقوم بإشباع حاجات الأبناء وتوجيههم نحو الإبداع والتفكير الناقد، وألا تشعرهم بشكل من أشكال الإحباط والعنف والفظاظة في السلوك، بل يتقرب الآباء والأمهات من أبنائهم شيئاً فشيئاً، ويتعرفوا إلى حاجاتهم ومخاوفهم ورغباتهم، ويعملوا على إشباعها ناهيك عن فتح باب للحوار وتعزيز ثقة الشباب بأنفسهم وقدرتهم على الإنجاز، وتوضيح أن الإنجاز الحقيقي يكون في مجال العلم والتنمية وخدمة المجتمع، وليس في تلك الموضات الخليعة التي لا تعود عليه إلا بمخالفة العرف.
أما الأخصائية النفسية آمنة عبد الحفيظ من السعودية فتقول: "تبدأ التقليعات الجديدة نتيجة البحث عن الجديد دائما، وهو ما تتسم به روح الشباب، وإذا أعطينا لكل موضوع حقه من الحيادية نجد أن التقليعات أحيانا تميز الشخصية عن غيرها، وهو ما يطمح له الشباب خاصة في سن المراهقة، و أحيانا أخرى يتسبب تقليد التقليعات إلى طمس الهوية، ويصبح الشخص بعد فترة مجرد مقلد! إذ إن معظم التقليعات تأتي عن طريق تقليد مطرب أو ممثل أو لاعب كرة، بمعنى أنها في النهاية مجرد تقليد.
أما عن الطريقة المثلى التي يجب أن تستخدمها الأسرة عندما تستاء من تقليعة أبنائها تقول الأخصائية:"إن التجاهل مهم، وهو ما يشعر الشخص أنه لم يفعل شيئا مميزا؛ بينما كثرة التعليقات تؤكد على ما يطمح إليه، ويمكن من وقت لآخر مناقشة بعض الأمور المتعلقة بالموضوع، على أن يكون التلميح للغرض الأساسي بذكاء ولباقة كمناقشة موضوع الحرية الشخصية، إذ يعتقد معظم الشباب أن الملبس من الحرية الشخصية طالما أنه لا يؤذي الآخرين! ولكنه بالفعل في أحيانا كثيرة يؤذي الآخرين، فليس من الحرية مثلا أن نلبس بنطالا يظهر العورة و نفرض على الآخرين غض بصرهم.
أما الأخصائية الاجتماعية فوزية علاجي فتعتبر التقليعات أحد مسببات التفكك الأسري والاجتماعي، فالمبالغة الشديدة تجعل من الصعب جدا تلاقي الأذواق أو تقاربها داخل الأسرة الواحدة، فنجد الجد يستهجن مظهر حفيده، والحفيد لا يعجبه مظهر جده و والديه، ويعتبرهم متخلفين في ملبسهم ومظهرهم، مما يوسع الفجوة بينهم، إذ تمتد التقليعات من المظهر وطريقة اللبس إلى طريقة الكلام والحركات، فلا يصبح بين الأسرة أي رابط يربط بعضهم ببعض.
وأكدت علاجي أيضا على أن كثرة القنوات الفضائية لها دور كبير في الترويج للتقليعات عن طريق البرامج التي تهتم بالموضة؛ لتحقق الربح المادي، من خلال الإعلانات التجارية عند ازدياد المشاهدة وإبهار الناس بالغث والسمين.
أجرى التحقيق.. من السعودية: غادة بخش ومن فلسطين : محاسن أصرف ومن القاهرة : منير أديب