إن علامة رضا الله تعالى عن العبد، هي رضـــا العبد عن ربِّه .. يقول ابن القيم "فمن رضي عن ربه رضي الله عنه، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه ، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده: رضا قبله أوجب له أن يرضى عنه، ورضا بعده هو ثمرة رضاه عنه؛ ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، العابدين، وقرة عيون المشتاقين" [مدارج السالكين (2/174)]
فهل أنت من الراضين؟
وللرضـــا علامــــات تعرف بها إذا كنت راضٍ عن ربِّك أم لا ..
1) استقبــال الابتلاء بالطمأنينة والسكينة .. ولك في حبيبك محمد الأسوة الحسنة في رضاه عن ربِّه، يقول ابن الجوزي في (صيد الخاطر): هذا سيد الرسل بُعث إلى الخلق وحده، والكفر قد ملأ الآفاق، فجعل يفر من مكان إلى مكان، واستتر في دار الخيزران، وهم يضربونه إذا خرج، ويدمون عقبه، وألقى السلى على ظهره، وهو ساكت ساكن .. ويخرج كل موسم فيقول "من يؤويني؟ من ينصرني؟"... ثم خرج من مكة، فلم يقدر على العود إلا في جوار كافر.
ولم يوجد من الطبع تأفف، ولا من الباطن اعتراض، إذ لو كان غيره، لقال: يا رب! أنت مالك الخلق، وقادر على النصر، فلم أذل؟! .. كما قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية: ألسنا على الحق؟! فلم نعطي الدنية في ديننا؟! ولما قال هذا، قال له الرسول : " يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا" [متفق عليه].
ثم يُبتلى بالجوع، فيشد الحجر، {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون: 7].
ويقتل أصحابه، ويشج وجهه، وتكسر رباعيته، ويُمثَّل بعمه ... وهو ساكت. ثم يرزق ابنًا، ويسلب منه، فيتعلل بالحسن والحسين، فُيخبَّر بما سيجري عليهما .. ويسكن بالطبع إلى عائشة رضي الله عنها، فينغص عيشه بقذفها ..
هذا الشيء ما قدر على الصبر عليه كما ينبغي نبي قبله، ولو ابتليت به الملائكة، ما صبرت.
2) موافقة ربِّك في قدره وإلتماس رضاه .. عن عمار رضي الله عنه أنه قال وهو يسير على شط الفرات "اللهم لو أعلم أن أرضى لك عني أن أتردى فأسقط فعلت ولو علمت أن أرضى لك عني أن ألقى نفسي في هذا الماء فأغرق فيه فعلت" .. ولكن الله عزَّ وجلَّ قد أمر عباده بأيسر من ذلك.
فأهم ما ينبغي أن تحفره في قلبك، هو إلتماس رضا الله تعالى عنك في جميع أفعالك وأحوالك،،
3) أن يحب ما يناله من ربِّه ولو خالف هواه .. قيل للحسين بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول : الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما اختار الله له.
فــأحبُّهُ إليــــه، أحبَّهُ إليَّ،،
وعن أبي بن كعب قال "ما من عبد ترك شيئا لله عزَّ وجلَّ إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله ما هو أشد عليه منه من حيث لا يحتسب". [صفة الصفوة (1,180)]
فما منع الله عزَّ وجلَّ عنك نعمة، إلا ليُعطيَّك خيرًا منها،،
4) ترك الاعتراض .. يقول ابن القيم "سمى بعض العارفين الرضا: حسن الخلق مع الله، فإنه يوجب ترك الاعتراض عليه في ملكه وحذف فضول الكلام التي تقدح في حسن خلقه، فلا يقول: ما أحوج الناس إلى مطر، ولا يقول: هذا يوم شديد الحر أو شديد البرد، ولا يقول: الفقر بلاء والعيال همَّ وغم، ولا يسمى شيئًا قضاه الله وقدره باسم مذموم إذا لم يذمه الله سبحانه وتعالى فإن هذا كله ينافى رضاه .. وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القدر، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : الفقر والغنى مطيتان ما أبالي أيهما ركبت، إن كان الفقر فإن فيه الصبر وإن كان الغنى فإن فيه البذل ..
وقال الثوري يوما عند رابعة: اللهم ارض عنا، فقالت : أما تستحي أن تسأله الرضا عنك وأنت غير راض عنه؟، فقال: أستغفر الله، ثمَّ قال لها جعفر بن سليمان : متى يكون العبد راضيًا عن الله؟، فقالت: إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة" [مدارج السالكين (2,220:221)] ..
5) ألا تخاصم ولا تعاتب .. عن أنس بن مالك قال: خدمت النبي عشر سنين فما أمرني بأمر ثم أتيت غيره أو ضيعته فلامني، فإن لامني بعض أهله إلا فقال "دعوه فإنه لو قدر كان أو قضي أن يكون كان" [صححه الألباني، ظلال الجنة (355)]
فالله سبحانه وتعالى سيكُف عنك أذى من يؤذيك، فلا داعي للعتاب والخصومة.
6) الاستغناء بالله وعدم سؤال الناس شيئًا .. عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة"، فقلت: أنا .. فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه. [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] .. وعن سعيد بن المسيب، قال "من استغنى بالله افتقر الناس إليه".
فلماذا تذِل للناس وتطلب السعادة في غير طاعة الله؟ .. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ..} [الزمر: 36]
7) التخلص من أسر الشهوة ورغبات النفس .. فنفسك دائمًا تُلِح عليك لتُحقق رغباتها، مما قد يوقعك في المعاصي وبالتالي تتسخط على قدر الله تعالى .. فلو أنك جاهدت نفسك من البداية، سيسلم لك قلبك وتعيش راضيًا عن الله عزَّ وجلَّ.
إذًا، كيــــف تكون راضيًا عن الله تعالى؟
أن طريق الوصول إلى منزلة الرضـــــا، يبدأ بـــ ..
أولاً: أعرف ربَّك .. فعندما تعرف ربِّك ستُحبه، وإذا أحببته سترضى عنه وعن كل ما قدره لك .. وكلما أزددت قُربًا من ربِّك، زاد حبك له حتى يتملَّك حبه كل ذرة في وجدانك ..
عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري، فقال سفيان: يا أبا سلمة أترى يغفر الله لمثلي؟. فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله على محاسبة أبوي، وذلك أن الله تعالى أرحم بي من أبوي. [حلية الأولياء (3,76)]
فالله سبحانه وتعالى أرحم بك من أمك وأبيك، ولو علمت الحكمة من ابتلاءه لك لما تسخطت على قدره ..
فقد يبتليك ليغفر لك ذنوبك .. عن النبي قال "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" [متفق عليه]
أو لكي يرفع درجتك .. قال رسول الله "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها" [رواه أبو يعلى وابن حبان وحسنه الألباني] .. فعملك لن يُبلغك تلك المنزلة العالية، ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بك أن يبتليك لكي تصل.
فقدر الله لا يأتي بخير .. فعليك دائمًا أبدًا أن تقول من قلبك::
رضيـــــــــــت بالله ربــــــــــــــــــــًا،،
ثانيًا: بث شكواك إلى ربِّك وفوِّض أمرك إليه .. فلا تشتكي لأحدٍ سوى ربِّك، فهو سبحانه يحب أن يسمع أنينك وهو وحده القادر على أن يفرِّج كربك.
ثالثًأ: القيــــام بأعمال يحبها الله تعالى ويرضى عن فاعلها .. ومنها:
1) بر الوالدين .. قال رسول الله "رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين" [حسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2503)] .. وبرهما يكون حتى بعد موتهما، بالدعــــاء لهما.
2) شكر الله تعالى على نِعمَه .. عن أنس قال: قال رسول الله "إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليه أو يشرب الشربة فيحمده عليها" [رواه مسلم]
3) الرفق وعدم العنف .. يقول الرسول "إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف .." [رواه الطبراني وصححه الألباني، صحيح الجامع (1770)] .. فعليك أن تكون هادئًا في معاملتك للناس، ولا تلجأ إلى الشدة والعنف.
4) كظم الغيظ .. قال رسول الله "..ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا .." [رواه الأصبهاني وصححه الألباني]
5) الإصلاح بين الناس .. عن أنس رضي الله عنه: أن النبي قال لأبي أيوب "ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله"، قال: بلى، قال "صل بين الناس إذا تفاسدوا وقرب بينهم إذا تباعدوا " [رواه الطبراني وحسنه الألباني]
فاللهم رضنِّا بقضائك، وارض عنـــا يــــــا ربِّ العالمين،،