ميمونة بنت الحارث
فيأول ذي القعدة من السنة السابعة خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء، وكانعدد المسلمين يزيد على الألفين .. وكانت هذه العمرة بدل العمرة التي خرج الرسوللتأديتها وأبنت مكة إلا أن يعود في العام الذي يليه بمقتضى صلح الحديبية.
ودخلالمسلمون مكة وهم يظهرون قوتهم للمشركين، وقد هال سكان مكة أن يروا المسلمين بكلهذه القوة وهم يهللون ويكبرون عند دخولهم بيت الله الحرام .. حتى أن كثيرا منهمغادرها حتى لا يروا المسلمين يعودون إلي أم القرى رغما عن أنوفهم ويطوفون بالبيتالعتيق.
ارتفعت أصوات المسلمين .. وقد وعوا كلمة الرسول لهم:
ـ "رحمن اللهامرأ أراهم اليوم قوة من نفسه".
وعندما لاح للمسلمين أول بيت وضع للناس قالوابصوت يرج مكة كلها:
- "لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده،وهزم الأحزاب وحده."
وبعد أن أتم الرسول مناسك العمرة .. ظل إلي جوار الكعبةحتى صلاة الظهر .. وهناك أمر بلال أن يقوم بالآذان من فوق الكعبة .. وقد اغتاظالمشركون لما رأوا من قوة المسلمين وبأسهم .. فهؤلاء الذي خرجوا مهاجرين من سنواتيعودون إليها اليوم بعد أن حققوا العديد من الانتصارات على مشركي مكة .. وعلىاليهود .. وأصبحوا أصحاب قوة ونفوذ .. فقد بدل الله خوفهم أمنا. وضعفهم قوة .. وهاهم اليوم يعودون إلي البلد الذي طردهم لا يخافون أحدا .. ولا يهابون أحدا إلاالله سبحانه وتعالى، وكان للمسلمين الحق في الإقامة في مكة ثلاثة أيام على حسباتفاق صلح الحديبية.
وفي هذه الأثناء خطب النبي ميمونة بنت الحارث الهلالية،وهي أخت (أما الفضل) زوجة العباس بن عبد المطلب .. وكان قد مات عنها زوجها..
وأراد الرسول الكريم أن يعرس بها في مكة، وأن يقيم مأدبة يدعو فيها أهل مكة لعلقلوبهم تلين، ويبتعدوا عن صلفهم وعدائهم للنبي والإسلام بلا مبرر إلا الحقد ودواعيالجاهلية، ولكنهم أصموا آذانهم، ورفضوا أن يقيم المسلمون مدة أكثر من المدة التيحددتها المعاهدة المبرمة بينهم وبين الرسول في الحديبية. وخرج الرسول متجها صوبالمدينة.
وعند (سرف) على بعد أميال من مكة .. لحقت به زوجته ميمونة حيث بنى بهاالرسول. وميمونة وكان اسمها (بره) كانت واحدة من أربع نساء فضليات .. فأختها أمالفضل تزوجت عم النبي العباس، وكانت أوائل النساء اللاتى أعلن إسلامهن بعد خديجةرضي الله عنها .. وأختها الأخرى أسماء بنت عميس زوجة ابن عم الرسول جعفر بن أبيطالب .. وأخت سلوى بنت عميس زوج أسد الله حمزة بن عبد المطلب..
ويقول الرواة أنميمونة هي التي رغبت في الزواج من آخر رسل الله وأنها أسرت إلي أختها أم الفضل بذلك .. وأخبرت أم الفضل زوجها العباس الذي نقل رغبة (ميمونة) إلي ابن أخيه .. فما كانمن الرسول إلا أن بعث بجعفر ليخطبها..
ويقال أيضا أنها عندما علمت أن رسول اللهوافق على رغبتها أنها ركبت راحلتها وتوجهت حيث يوجد الرسول صلى الله عليه وسلموقالت له:
ـ "البعير وما عليه لله ورسوله.
لقد كانت صادقة مع نفسها .. صادقة مع مشاعرها .. لم تبال بما يقول المنافقون..
وقد نزل قوله تعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }(سورة الأحزاب آية رقم 50 )
وكانت ميمونة هي آخر زوجات رسول الله .. وقد انتقلت إلي جوار ربها سنة 51 هجرية .. ودفنت في (سرف) نفس المكان الذي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*****
أما مارية القبطية التي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلمالمقوقس عظيم مصر ردا على رسالته، والتي أنجبت له ابنه إبراهيم فلم تكن أما منأمهات المسلمين، ولكنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم بملك اليمين، وقد أسكنهاالرسول صلى الله عليه وسلم بعالية المدينة حتى تبتعد عن غيرة نسائه وخاصة عائشةالتي قالت عنها:
ـ ما غرت من امرأة إلا مثل ما غرت من مارية، وذلك أنها كانتجميلة ، فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد أنزلها أول ما قدم بهافي بيت (حارثة بن النعمان) فكانت جارتنا، وكان عامة النهار عندها فجزعت، فحولها إليالعالية بأقصى المدينة، وكان يذهب إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا".
وقد بلغتمن غيرة عائشة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أنجب منها ابنه إبراهيم، كانشديد الفرح به، وحمله إلي أم المؤمنين عائشة ولكن عائشة قالت له:
ـ ما أراهيشبهك في شيء!!
فقال لها الرسول العظيم وهو يحمل فلذة كبده:
ـ إنكن صوحبيوسف.
وقد حزن الرسول حزنا شديد عندما مات إبراهيم، وقال كلمته الخالدة:
ـ "تدمع العين، ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب، أنا لفراقك يا إبراهيملمحزونون".
وقد توفيت رضي الله عنها في خلافة عمر بن الخطاب ودفنت بالبقيع.