لا أحبها..
أتثاءب عندما أراها..
آخر عهدي بها كُتُب المدرسة.
هذا حال كثير من الأصدقاء الذين تحدّثت معهم بخصوص القراءة والكتب..
وما أفدح خسائر من لا يقرأ.. إنه يخسر جزءاً من حياته، ووعيه، وفكره.
ذكرت في مقال سابق "اهرب من الفقر ما استطعت" كيف يمثّل فقر المعرفة بلاء يجب الهرب منه.. واستكمالاً لما قُلناه، دعني أقدّم لك بعض النصائح علّها تُعينك على ذلك:
بداية يجب إقرار حقيقة هامة، وهي أن القراءة تحتاج إلى جهد وتعب..!
نعم قد تكون هناك أنواع من القراءة الممتعة والمسلّية كقراءة الروايات والكتب الخفيفة؛ لكن الإنسان لا يقرأ فقط من أجل المتعة، وإن كانت المتعة مطلباً شريفاً وهاماً.
لكن القراءة المثمرة تتطلب نوعاً من الالتزام، والتعامل مع الكتاب بجدّيّة ومسئولية، ولهذا يفشل الكثيرون في الحصول على لقب القارئ الجيّد.
وإليك مجموعة من الالتزامات التي يجب أن تأخذها بجدّيّة، إذا ما كنت طامحاً في أن تكون قارئاً جيداً وهي:
1. التغلّب على العقبة النفسية: تلك العقبة التي تجعل الكتاب ثقيلاً على النفس، باعثاً على التثاؤب والنعاس.. والتغلّب على هذه العقبة يحتاج إلى نيّة صادقة أولاً، وتوفّر دافع قوي للقراءة.
بدون متعة ولذة لن يستطيع المرء تحطيم ذلك الحاجز الوهمي الذي صنعه للهروب من مسئولية القراءة والثقافة، وتلك المتعة ستتأتى حينما نرى ثمرة ما قرأناه يانعاً في ذوقنا وسلوكنا ورؤيتنا للأشياء، والخطوات القادمة ستُساعد على تحطيم هذا الحاجز.
2. استحضار الدافع: العلم هو أعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى، يجب ألا يفارق هذا الأمر ذهنك؛ فعندما وعى المسلمون الأوائل هذا المعنى غيّروا الدنيا بعلمهم وثقافتهم وتَحَضُّرهم، وأناروا العالم وأضاءوا جنباته، أن تقرأ أنت في عبادة لله، في رحلة إلى الله، ولا أقصد القراءة الفقهية أو الدينية؛ بل أقصد القراءة المفيدة بكافة ألوانها العلمية والثقافية والفنية.
3. ضع خطة للقراءة: دائماً الأشياء التي نخطط لها يكون عائدها وفائدتها أكبر، ويسري هذا على القراءة كذلك؛ فوضع خطة للقراءة يوفّر في الوقت، ويساعدك على تقييم قراءتك، وقبل وضع خطة القراءة يجب الالتفات إلى مجموعة من الملاحظات العامة وهي:
• قدراتك: كم أستطيع أن أقرأ خلال الأشهر الثلاثة القادمة، حدّد بناءً على معرفتك بنفسك، ولا تبالغ فتنكص فتشعر بالفشل، ولا تتهاون فيضيع وقتك، حدّد بعد تفكير ما يناسب قدراتك.
• اهتمامك: ماذا تقرأ؟ هذا أمر بالغ الأهمية، أنت لست مطالباً بقراءة كل ورقة تقع تحت يديك كي تمشي مختالاً بأنك واسع الثقافة والاطلاع؛ بل يجب أن تكون هناك منهجية لقراءتك، هذه المنهجية مبنية على اهتماماتك الفكرية والعملية.
• وقتك: خطتك يجب أن تضعها وَفْق الأوقات التي تستطيع أن تقرأ فيها، ونوعية الكتب تتحدد حسب هذا الوقت؛ فهناك كتب لأوقات الراحة والهدوء، وكتيّبات تُناسب الوقت الذي تقضيه في المواصلات أو الانتظار وهكذا.
وبعد وضع الخطة تكون هناك مراحل للتقييم وإعادة النظر، تنظر فيها إلى إنجازك، وهل استطعت الوفاء بما التزمت به أم أن هناك مشاكل؟ وهل هذه المشكلات في الخطة ودقّتها، أم في ظروف طارئة يمكنك تذليلها؟
4. تحمّل البداية: الصاروخ يستهلك معظم قوّته فقط في الانطلاق، والبدايات دائماً ما تكون صعبة شديدة قوية، تحتاج إلى جهد مضاعف، وصبر شديد.
يزيد الأمر صعوبة أن إنجازات البدايات تكون بسيطة غير منظورة؛ لكن بالصبر يمكن للمرء أن يجني الكثير، ويمكن أن تساعد نفسك في البداية بالإكثار من قراءة ما تحب وتهوى، هناك كتيّبات صغيرة، وكتب بسيطة لا تحتاج إلى كثير تركيز يمكنك البدء بها.. دائماً ما أُهدي أصدقائي -الذين أعرف لديهم سأماً شديداً من القراءة- كتاب "لا تحزن" للدكتور عائض القرني؛ فهو في ظني بداية جيّدة لممارسة القراءة.
ويمكن للقارئ المبتدئ أن يبدأ بالكتب البسيطة الخفيفة، يمكنه أن يبدأ بالروايات أو كتب الخواطر، أو الكتب التي تحتوي على قصص وأخبار، أو كتب السمر.
5. استغلّ الأوقات الميّتة: في مجتمعنا نطلق مصطلح (الوقت الميت) على الأوقات التي تمضي في انتظار شيء ما، كانتظار الطبيب، أو ركوب حافلة، أو عند الحلاق مثلاً.
هذه الأوقات يمكننا استغلالها في القراءة، وهنا تظهر أهمية كتب الجيب والتي يمكنك حملها في حقيبتك أو جيب سترتك وإخراجها كلما سنح الوقت.
لعل من زار الغرب رأى كيف أن ركّاب الحافلات منشغلون إما بقراءة كتاب أو جريدة، أو حتى الاستماع إلى مادة صوتية عبر جهاز الاستماع MP3، وأن عيادات الأطباء وأماكن الانتظار تكون دائماً مكتظّة بموادّ تثقيفية منوّعة تُناسب ميول الإنسان في الغرب، على عكسنا تماماً حيث نُطالع بعضنا البعض ونتسلى في التحديق إلى الطريق خلال وقتنا الذي نقضيه في المواصلات.
6. اجعل من القراءة التزاماً: القراءة ليست هواية تقوم بها وقتما وجدت وقتاً وأردت استغلاله؛ بل التزاماً جدّياً، ومسئولية يجب عليك الوفاء بها؛ لذا أنصحك أن تُقبل على القراءة وأنت مستعد نفسياً وذهنياً للاستفادة مما كُتب، حلّق مع الكتاب واستخرج منه الحِكَم والمعاني والأفكار التي تسكن بين دفّتيه، يمكنك الاستعانة بقلم تكتب به على الهامش ملاحظاتك، يفيدك هذا كثيراً إذا أحببت مطالعة الكتاب مرة أخرى، وكذلك في استرجاع معلومة أو مسألة من الكتاب بيُسر وسهولة.
إذا أمسكت كتاباً فلا تُمسك غيره حتى تُنهيه؛ فبجانب أن هذا سيمنعك من التشتت الذهني؛ فإن إنهاء كتاب كامل يُعطيك الثقة والتفاؤل في نفسك، ويدفعك إلى تكرار الإنجاز مرة أخرى.
الكاتب: كريم الشاذلي ، بتصرف بسيط