إعراب القرآن
الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل
ولا شك أنك قد عرفت الجمل ألا ترى أنهم زعموا أن الجمل اثنتان: فعليه واسمية وقد ورد القبيلان في التنزيل.
وذكر إضمار الجمل سيبويه في مواضع: من ذلك قوله: العباد مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر أي إن عملوا خيراً فالمجزى به خير.
ومثله: هذا ولا زعماتك أي ولا أتوهم.
أو: فرقاً خير من حب أي: أفرق.
قال: وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب وقيل له: لم أفسدتم مكانكم هذا قال: الصبيان يا أبي.
فنصب كأنه حذر أن يلام فقال: لم الصبيان.
ومن ذلك قوله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال: التقدير: أبدأ باسم الله.
أو: بدأت باسم الله أو: ابدأ باسم الله.
وأضمر قوم فيها اسماً مفرداً على تقدير: اٌبتدائى باسم الله: فيكون الظرف خبراً للمبتدأ.
فإذا قدرت أبدأ أو اٌبدأ يكون باٌسم الله.
في موضع النصب مفعولاً به.
وإذا قدرت: اٌبتدائى باٌسم الله يكون التقدير: ابتدائى كائن باٌسم الله ويكون في باسم الله ضمير انتقل إليه من الفاعل المحذوف الذي هو الخبر حقيقة.
ومنه قوله تعالى: " وإذ قال ربك " أي واذكر إذ قال ربك.
وإن شئت قدرت: وابتداء خلقكم إذ قال ربك.
وكذلك قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة " أي: واذكر إذ قلنا للملائكة.
وجميع إذ في التنزيل أكثره على هذا.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت " أي: فضرب فانفجرت
نظيره في الأعراف والشعراء: فضرب فانبجست فضرب " فاٌنْفَلَقَ ".
ومن ذلك قوله تعالى: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد ".
أي: فمن اضطر فأكل وهو في صلة من و غير حال من قوله " اضطُرَّ " أو من الضمير في أكل.
وفيه كلام يأتيك في حذف المفعول.
ومثله: " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام ".
أي: فأفطر فعدة من أيام موضعين جميعاً.
ومثله: " وعلى الذين يطيقونه فدية ".
أي: فيفطرون ففدية.
فهذه أفعال حذفت من الصلة.
ومثله: بل ملة إبراهيم حنيفاً أي: تتبع ملة إبراهيم حنيفاً.
والكسائي يقول: نكون أهل ملة إبراهيم حنيفاً.
ومثله: صبغة الله أي: الزموا صبغة الله.
فأما قوله تعالى: " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا ".
فالتقدير: إذا حلفتم وحنثتم.
فحذف حنثتم و لابد من إضماره لأن الكفارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله.
وهذه من طرائف العربية لأن حنثتم معطوف على حلفتم و " حلفتم " مجرور بالإضافة فكأنه قال: وقت حلفكم وحنثكم والمتعارف حذف المضاف دون المضاف إليه.
وقد جاء ذلك أيضاً في التنزيل وله باب في هذا الكتاب.
ومن ذلك إضمار القول في قوله تعالى: " ورفعنا فوقكم الطور خذوا " في الموضعين في سورة البقرة.
وفي قوله تعالى: " وظنوا أنه واقع بهم خذوا " أي قلنا لهم: خذوا.
ومثله: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل ربنا " أي: يقولان: ربنا.
ومن ذلك قوله تعالى: " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ".
أي يقولون: ربنا.
عن الأخفش لأنه يبتديء بقوله: " الذين يذكرون الله قياماً " ويسند إليه " يقولون " المضمر.
مثله: " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلاً لكل شئ فخذها بقوة أي فقلنا له: خذها بقوة.
ومنه قوله تعالى: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم " أي: يقولون: سلام عليكم.
ومنه قوله تعالى في قول الخليل: " ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن ".
قال: التقدير: من يقال لهم: أيهم فحذف القول كقولهم: وكانت عقيل خامري أم عامر فيحمله على الحكاية دون " لَنَنْزِعَنَّ " على تعليق العلم عند الكوفيين.
و يجوز أن يكون تقديره: لننزعن كل شيعة.
وكذلك يجوز عندهم: لننزعنهم متشايعين ننظر أيهم أشد.
وسيبويه يجعله مبنياً على الضم.
ومن إضمار القول قوله تعالى: " واٌخر من شكله أزواج.
هذا فوج مقتحم ".
ومنه قوله تعالى: " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم ".
أي: يقولون: ما نعبدهم " فيقولون " خبر المبتدأ.
ومنهم من جعل يقولون في موضع الحال وجعل الخبر قوله: " إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ".
ومنه قوله تعالى: " إنما نطعمكم لوجه الله " أي: يقولون: " إنما نطعمكم " إذ الآيتان داخلتان في القول فلا وقف على قوله: " ولا شكوراً ".
ومنه قوله تعالى: " كلوا من رزق ربكم ".
ومن إضمار القول قوله تعالى: " واسجد واقترب " أي: قل للإنسان الطاغي: واقترب تر العجب.
ومثله: " قد جاءكم بصائر من ربكم " تقديره: قل لهم: قد جاءكم فأضمر قل.
يدل عليه قوله تعالى: " وما أنا عليكم بحفيظ ".
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال: ألم نربك " أي: فأتياه وقالا له: أرسل معنا بني إسرائيل.
فقال ألم نربك.
ومن ذلك قوله تعالى: " يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال " في قراءة ابن عامر مرتبا للمفعول ومن ذلك قوله تعالى: " واللائي يئسن من المحيض " إلى قوله: " واللائي لم يحضن " أي واللائى لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذف المبتدأ والخبر.
ومن ذلك قوله تعالى: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة " والتقدير: أمة غير قائمة.
ومنه قوله تعالى: " وتؤمنون بالكتاب كله " أي: وهم لا يؤمنون به كله فحذف " وهم لا يؤمنون به كله ".
ومنه قوله تعالى: " ولتستبين سبيل المجرمين " أي: وسبيل المؤمنين فحذف.
وقيل في قوله تعالى: " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " إن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون فحذف كقوله تعالى: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن ".
والتقدير إن أردن أو لم يردن.
ومنه قوله تعالى: " يغشي الليل النهار " أي: ويغشى النهار الليل فحذف.
ومنه قوله تعالى: " سرابيل تقيكم الحر " أي: وسرابيل تقيكم البرد فحذف.
وقال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا " أي: يقولون: ربنا.
وقال تعالى: " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم " أي: بعثناهم ليسوءوا.
وقال تعالى: " فآمنوا خيراً لكم " أي: فآمنوا وأتوا خيراً لكم.
وقال تعالى: " وانفقوا خيراً لأنفسكم " أي: وأتوا خيراً لأنفسكم ".
وأنشدوا: فواعديه سرحتى مالك أو الربا بينهما أسهلا أي: ائتى مكاناً أسهل.
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى " أي: فضربوه ببعضها فحيى وأخبر بقاتليه ثم خر ميتاً.
يدل على صحة الإضمار قوله: " ثم قست قلوبكم " ف قست: معطوف على " خَرَّ ".
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ".
أي: فأكل غير باغ فلا إثم عليه.
ونظيره في المائدة: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ".
أي: فأكل غير متجانف.
نظيره في سورة النحل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ".
أي: فأكل.
وكذا في الأنعام: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم " أي: فأكل.
وفي الآى كلام تراه في حذف المفعول.
نظيره: " فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ".
ولم يقل: فافعل.
وعلى هذا إضمار جواب لو في التنزيل كلها جمل حذفت.
قال الله تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً ".
أي: لعلموا أن القوة.
ومنه قوله تعالى: " ولو أن قرآناً سيرت به الجبال " ولم يقل: لكان هذا القرآن.
فأما قوله تعالى: " لو تعلمون علم اليقين " فالتقدير عند الأخفش: ماألهاكم التكاثر فأضمر لجرى ذكره في أول السورة.
وعند غيره: لو تعلمون علم اليقين لعلمتم أنكم ستردون الجحيم في الآخرة.
دل على هذا الخلاف " لترون الجحيم ".
فأما قوله تعالى: " كلا سوف تعلمون " فالمعنى: كلا لا ينفعكم التكاثر فحذف.
وقوله: " كلا لو تعلمون ".
أي: كلا لا تؤمنون.
ومن ذلك قوله تعالى: " فتوبوا إلى بارئكم ".
ثم قال: تعالى: " فتاب عليكم " وأضمر " فتبتم ".
أي: تبتم فتاب عليكم.
ومنه قوله تعالى في حذف الجملة: " ويعقوب يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين ".
أي: ويعقوب وقال عثمان: في قوله تعالى: " فمن عفى له من أخيه شئ " يجوز أن يرتفع " شئ " ب " عفي " أو بفعل محذوف يدل عليه قوله " عُفي " لأن معناه: ترك له شئ من أخيه أي من حق أخيه ثم حذف المضاف وقدم الظرف الذي هو صفة للنكرة عليها فانتصب على الحال في الموضعين منها.
وهذه الآية تجاذبها باب الجملة وباب الإضافة وباب حذف حرف الجر وباب الحال وستراها هناك إن شاء الله وحده.