المخاطبة بالهاتف ( التليفون )
التليفون نعمة من نعم الله تعالى في هذا العصر، فلقد طوى مساحة الأرض في لمح البصر. ورحم الله عهد البعير والحمام الزاجل والسفر الشاق لتوصيل الرسائل والأخبار. واليوم والهاتف قد يسر لنا كل هذا فضلا عن أنواع الاتصالات المذهلة. وقد لا نحسن في أحيان كثيرة الاستفادة بها ونسيئ استعمالها وقد عانيت من هذه الآلة بعض المتاعب فيما تحدث من أمور وتصرفات:
فقد يزورك زائر ولا يلبث إلا قليلا حتى تمتد يده إلى التليفون قائلا: تسمح التليفون، فلا مناص من أن تقول له تفضل! ويبدأ حديثه بالسؤال عن أفراد الأسرة والأقارب ثم يمضي في تبادل الحديث الطويل معهم ويختتم الحديث المسهب بكلمات قليلة هي بيت القصيد! وكان يمكن أن يكتفى بها فلا يطيل المكالمة.
وذات مرة زارني اثنان من بلد عربي ـ واستأذن أحدهم ليتصل بأهله في مكالمة دولية، وأدار التليفون وكما هي العادة مع الأهل والأحباب. طال المكث وكثر العتاب. وأنا أخرج حينا وأدخل حينا لعله يقتصر ويوجز، والذين يتحدث إليهم يظنون أنه يتحدث من حسابه الخاص فيتبادلون معه الحديث في شجون وإطالة. وما يكاد يختتم حديثه وأتنفس الصعداء، حتى يستأذن الثاني في مكالمة وتستمر الرواية بنفس الأسلوب وتتكرر القصة. وأعيش في ضيق لا حزنا على ما سوف أدفعه من مبالغ كبيرة فحسب ولكن ألماً من هذا التصرف البعيد عن اللياقة.
ولا أكون مبالغا إذا قلت أن أحدهم نزل ضيفا على أحد الإخوة واستعمل تليفونه في مكالمات شخصية خارجية تجاوزت قيمتها راتبه الشهرى! فتصور ـ أخي الكريم ـ كيف تكون علاقة القلوب وحالة الجيوب!
( لو كان حبيبك عسل ماتلحسوش كله )
خرج الأخ من منزله صباحاً في طريقه إلى عمله. فوجد بعض الإخوة قد حضروا لزيارة زميل لهم فلم يجدوه. فدعاهم الأخ لينتظروه في مسكنه بعض الوقت. فاستجابوا وحال جلوسهم، استأذن أحدهم ليتحدث تليفونيا خارج المدينة وبعد أن أنهى محادثته، أخرج ورقة بيضاء وأخذ ينقل أرقام التليفونات الخاصة الموجودة على المكتب دون أن يستأذن في ذلك!! في هذا الوقت كان أهل البيت قد قدموا لهم التحية الواجبة. وبعد ذلك قال لهم الأخ المضيف أنه مضطر لمغادرة السكن ليلحق بعمله ولكنه فوجئ بمن يقول له: أنت تذهب إلى عملك ونحن نبقى هنا حتى يصل الأخ الذي ننتظره!!.. يقول الأخ أنه كاد ينفجر غيظاً لأنهم قد لاحظوا أن ذلك السكن تشغله الأسرة فكيف يسمحون لأنفسهم بالبقاء بالمنزل بعد انصراف رب الأسرة؟ لقد اتسع مفهوم العشم والحب في الله تعالى عند بعضهم حتى تجاوز العرف والعقل والمنطق!
أحيانا تأتي مكالمة تليفونية من أهل بيت صاحب بالمكتب. ونراه يتحدث إليهم بصوت منخفض بما يوحي أن المكالمة خاصة. وفي هذه الحالة يستحب أن ينسحب الحاضرون. إلا إذا أشار صاحب المكالمة إليهم أن الموضوع لا حرج فيه.
يتصادف أن يجلس أحد الإخوه الزوار قريبا من التليفون، وحين تأتي مكالمة يسرع ويرفع السماعة واسمعه يقول ( أنا فلان ) والمقروض أن يذكر اسم صاحب المكتب أو صاحب المنزل، حتى يتأكد للمتحدث أن الرقم صحيح فيطمئن فلا يحدث عنده بلبلة حين يسمع اسما غير مألوف فيظن أنه أخطأ الرقم ويغلق الخط وينهى المكالمة.
أحيانا تتداخل الخطوط وتسمع حديثا بين زوج وأسرته أو غير ذلك. وتجد بعض الناس يحلو لهم الاستماع والتصنت.. وهذا يتنافي مع الأخلاق الفاضلة والقرآن الكريم يحذر من ذلك ]وَلَا تَجَسَّسُوا [.
( آسفين للإزعاج )
كثيرا ما تسمع من محدثك كلمة تقليدية ( آسفين للإزعاج )؟ فإذا كان صاحبنا يعلم أن هذا الحديث في وقت معين يسبب الإزعاج فلماذا تجاوز الوقت المناسب؟ ولهذا تعود كثيرون أن يعزلوا التليفون في أوقات راحتهم أو نومهم... فقد تعود أحدهم أن يفتح الهاتف بعد الحادية عشر مساءً ويقول آسفين للإزعاج. فلما أفهمته أن صوت الهاتف في هذا الوقت مزعج ومقلق تأسف ولكنه عاود سيرته الأولي في المحادثة بهذه الكيفية. فلما عاتبته بشدة. قال أنه يعود الى بيته متأخرا وهذا هو الوقت الذي يناسبه! فقلت له وما ذنبي إذا استرحت أنت وأتعبتني أنا !؟ وأحيانا تكون بعض المكالمات من هذا النوع غير ملحة ولا ضرورية.
مكالمة لأمريكا
اتصلت اسأل عن صحة أحد الإخوان. فقيل أنه ذهب إلى أمريكا للعلاج فحصلت على رقم تليفون المستشفي ورقم الحجرة. وكانت الساعة وقتئذ السابعة مساءً. فأدرت قرص التليقون. وجاءني صوته يسأل من المتحدث فقلت فلان.وسألته عن حاله وصحته وتمنيت له عاجل الشفاء. وقطع الحديث وسألني كم الساع عندكم الآن!؟ وفي الحال أدركت أنني قد وقعت في خطأ .. إذ أن الساعة الآن في أمريكا الثانية عشر مساءً!؟ فلم أتنبه إلى فرق التوقيت بين ألمانيا وأمريكا. فضلا عن أنني أخاطب مريضا في حاجة إلى الراحة وهدوء البال وهكذا وقعت في المحظور دون أن أدري.
بعض أصحاب الأعمال.. تزدحم مكاتبهم بالرُّواد.. وتأتيهم مكالمات تليفونية ويظل يستمع على محدثه الذي يطيل وكلما اقترب من النهاية فتح مجالا للحديث والرجل في حرج شديد. يريد أن ينهي الحديث، ولكن صاحبنا لا يرى ولا يشاهد هؤلاء الذين حضروا لإنهاء مصالحهم ويظن أن صاحب العمل قد تفرغ له وحده.
فعلى الذين ينفَرِدون بالحديث مع مثل هؤلاء أن يعلموا أن هناك الكثيرين مثلهم لهم نفس الحقوق والواجبات. فعليهم أن يختصروا رحمة بغيرهم ولعل من تمام الذوق على الذين يبدأ الحديث أن يختتم حديثه بنفسه.
الضيافة والزيارة
الضيافة سمة من سمات المجتمع العربي والإسلامي وخاصية من خصائصه الفريدة في العالم. وأسلوبها ينضبط بضوابط أخلاقية وشرعية على مستوى الفرد والجماعة. وكلما توافقت الضيافة والزيارة مع التقاليد والأصول الشرعية قويت العلاقات وتوثقت الروابط.
تعوَّد كثير من الناس أن يفاجئوا أقاربهم أو أصدقاءهم بالزيارة. فحينا يجدونهم وتكون زيارة غير متوقعة وغير محسوبة. فربما يكونون على موعد لمغادرة المنزل أو تكون لديهم من الظروف ما يحول دون إعطاء الزيارة حقها. ومع كل هذه العوامل فلابد من استقبالهم بالبشاشة والترحاب. والمثل الشائع ( لاقيني ولا تغديني ) والقرآن الكريم قد نبه إلى وجوب الاستئذان قبل الزيارة قال تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [ [ سورة النور 27 ]
وقد يحدث للمضيف الحرج لظروف أسرية أو مادية أو ضيق في السكن. ولهذا جعل الله لمثل ذلك مخرجا ومندوحة في قوله تعالى ]وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [ [ سورة النور: 28 ] وعلى المضيف في مثل هذه الظروف أن يتصرف بحكمة ولباقة حتى لا يفسد ود القلوب. وعلى الضيْف أن يتقبل الرجوع عن الزيارة بصدر رحب ولعل بعض الإخوة لا يستريح لهذا ... والأولى أن يعاتب نفسه ويلزمها بأدب الإسلام والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
بعض الإخوة يتوجهون لزيارة أحدهم. فيطرقون الباب عدة مرات. وقد حددت الآداب الإسلامية قواعد الإستئذان في زيارة صديق أوجار وذلك بالطرق أو استعمال ( الجرس ) ثلاث مرات فقط. الأولى لإعلام صاحب الدار أن هناك من يود زيارته والثانية لاستعجاله إذا تأخر. والثالثة بمثابة إعذار بأنه سوف يغادر المكان. ثم لا يزيد على ذلك. احتراما لمشاعر صاحب الدار فقد يكون غير متهيئ للإستقبال أو أن يكون غير موجود أصلا في المنزل.
وبعض الإخوة ينصرف ثم يعود بعد فترة ويعاود ما سبق دون جدوى. وأنصح الزائر قبل أن يتوجه للزيارة أن يجهز بطاقة يكتب فيها أنه قد حضر للزيارة ويأسف لعدم اللقاء ثم يحدد فيها ما يريد أو يحدد موعدا آخر أو يترك له عنوانه ورقم تليفونه كي يتصل به عند العودة.
ومن الحكايات التي تروى في مثل هذا الباب. ما قرأته عن الشيخ عبد العزيز البشري الذي ينفرد بأسلوبه في معالجة مشكلة الزيارات المفاجئة. فكان من عادته أن يضع عمامته وجبته خلف باب الشقة التي يسكن فيها. فإذا طرق أحدهم الباب لبس جبته وعمامته وأمسك عصاه. فإذا كان الضيف مرغوبا فيه استقبله احسن استقبال وقال له: الحمد لله الذي دجاء بي من الخارج الآن. وإذا كان الضيف ثقيل الظل وغير مرغوب فيه: قال له: الحمد الله الذي جاء بك قبل أن أخرج لأنني على موعد الآن!!
وبعض الأفراد مِمَّنْ عندهم فراغ أو متسع من الوقت ـ يقضون وقتهم عند من لايجد متسعا من الوقت لإنهاء ما تراكم عليه من واجبات ( فالوقت هو الحياة ) ( فعاون غيرك على الانتفاع بوقته )
وقد يتزايد الزوار بالتوالي ولا يفكر الزائر الأول في الانصراف لأن ( القعدة أحلوَّت ) وبعضهم وخاصة غير المتزوجين لاتحلو لهم الزيارة إلا في وقت متأخر وغير مناسب لأنهم لم يمروا بهذه التجربة بعد. والمثل يقول ( يا بخت من زار وخفف ) وإذا أبديت بعض التلميحات تنبيها لمجافاة هذا السلوك للتقاليد والعادات قيل لك ( إننا نحبك في الله تعالى )! وليس الحب في الله تعالى إلاً في إطار الذوق والأخلاق وضوابط العُرف. وإذا نوهت إلى أن مثل هذه التصرفات ترهق وتضيع الوقت قيل لك ( اللي يعمل جمل لا يبعبع من العمل )!! وهل أنا جمل إنما أنا.. !!
الضيف يشارك
قال لي أحد الإخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه. وكان للمضيف ابنٌ شابٌ قد غاب عن المنزل منذ يومين ولم يتعرف على مكان تواجده مما سبب للأسرة قلقا بالغا.. وقد عرف الضيف الكريم ذلك ولاحظ وشاهد مبلغ الاضطراب الذي تعيش فيه الأسرة ـ ولكنه لم يبد أي شعور بالمشاركة الوجدانية، ولم يشارك بأية كلمة مواساة وبعد أن قضى الوقت المناسب وقمنا نحوه بالواجب غادرنا، ولم يتصل بنا بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا. وهكذا يقول المثل ( الذي يحب نفسه تكرهه الناس ).