الرسم العثماني
أجمع المؤرخون على أن العرب كانت أمة أمية لا تدري ما الكتابة ، وأن قريشا أخذت الخط العربي عن طريق حرب بن أمية ، ومن ثمة تعلمه باقي القوم ، ومن ضمنهم الصحابة رضوان الله عليهم الذين كتبوا آيات من القرآن في عهد رسول الله r .
أولا: تعريف الرسم:
الرسم في اللغة يُطلق على الأثر، أو الآثار المتبعة. والجمع رسوم وأرسم[1]، قال امرئ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان *** ورسم عفت آياته منذ أزمـان
وفي الاصطلاح: هو خط المصاحف العثمانية الأربعة الأمهات والمستنسخة منها، وطريقة كتابتها ، ويمكن تقسيم الرسم العثماني إلى قسمين :
1 - رسم قياسي: وهو ما وافق فيه الخط اللفظ بدون زيادة ولا نقصان.
2- رسم اصطلاحي: وهو ما خالف الكتابة القياسية المعتادة بزيادة أو حذف أو وصل أو فعل أو بدل، وسيأتي التعريف بهذه الخصائص .
ثانيا: أقوال العلماء في الرسم :
ذهب أكثر العلماء إلى أن الرسم توقيفي لا تجوز مخالفته ، واستدلوا بأنه النبي r كان له أربعة وأربعون كاتبا للوحي ، وفي كتابتهم أقر لهم النبي r صنيعهم ، فالصحابة ( لم يكتبوا المصحف كيف اتفق ، بل عن أمر عندهم قد تحقق ) [2]
وهذا يعد الرأي الراجح الذي ذهب إليه علماء السلف ، واستدلوا بآيات عديدة منها قوله تعالى : } إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون { الحجر آية 9 وقوله : } وما ءاتاكم الرسول فخذوه { الحشر أية 7 ، وقوله : } الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم { العلق الآية 4 و 5 .
وأما آثار العلماء في وجوب الالتزام بالرسم العثماني فهي عديدة، نذكر منها ما رواه أبو عمرو الداني ( قال أشهب: سئل مالك فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم ؟ قال لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى، قال أبو عمرو: ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة )[3]. وقال أحمد بن حنبل : ( تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ألف أو ياء أو غير ذلك ) [4] . وقال البيهقي في شعب الإيمان: (من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوه شيئا ، فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم) [5].
وقال القاضي عياض في آخر كتابه الشفا: ( وقد أجمع المسلمون أن من نقص حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه ، أو زاد حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع ، وأجمع على أنه ليس من القرآن عاملا لكل هذا أنه كافر )[6].
وهناك رأي ثان يقول أصحابه بأن الرسم ليس توقيفيا ، وإنما هو اصطلاح ارتضاه عثمان، وتلقته الأمة بالقبول ، فيجب الالتزام والأخذ به ، وقد ذهب إلى هذا الرأي العز بن عبد السلام ( ت 660هـ ) ، وتبعه من المعاصرين كل من صبحي الصالح ومناع القطان في كتابيهما: « مباحث في علوم القرآن » .
والرأي الثابت يقول مناصروه بأن الرسم العثماني اصطلاحي لا توقيفي ، وتجوز مخالفته ، وممن جنح إلى هذا ابن خلدون وأبو بكر الباقلاني في الانتصار حيث قال : ( وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا ، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وحفاظ المصاحف رسما بعينه دون غيره ) ، ومن المعاصرين محمد طاهر الكردي في كتابه « تاريخ القرآن » .
ثالثا: الخصائص الإملائية للرسم العثماني :
1) الزيادة :
فمن زيادة الألف قوله : « شفعؤا » « وشركؤا» «والربوا»، « وإن امرؤ هلك» في النساء خاصة آ : 176 ، وقوله : « ولا تقولن لشيء إن فاعل ذلك غدا » الكهف 23 ، ومنه « الظنونا» و « الرسولا » و« السجيلا » .
وأثبتوا الألف في «مائة » ولم يثبتوها في « فئة » على المعهود عند الكتاب ، وأثبتوا الألف في : « ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله » يوسف 87
ـ ومن زيادة الياء في قوله : « أفاين مات أو قتل » آل عمران 144 ، وقوله : « أفاين مت فهم الخالدون » الأنبياء 34 ، وقوله : « من نبإي المرسلين » الأنعام 34
ـ ومن زيادة الواو في قوله : « أولئك وأولئكم وأولوا وأولي وأولات » حيث وقع ، وزيدت في مصاحف أهل العراق في « سأوريكم دار الفاسقين » الأعراف 145 و « سأوريكم آياتي » في الأنبياء 37 .
2) الحذف :
حذفت الألف في المصحف في قوله : « يخدعون » البقرة ، « وإذ وعدنا » البقرة 51، « فأخذتكم الصعقة » البقرة 55 . وأجمع كتاب المصاحف على حذف الألف بعد النون التي هي ضمير المتكلمين نحو : « آتينكم » ، وكذلك حذفوا من « غُلم ، وغلمين ، والحلل ، والبلغ» وما أشبهه حيث وقع . وكذلك يحذفون ألف الرحمن ، وإله ، وإلهكم ، والملئكة ، والمسجد ، وأجمعوا على حذف الألف من كل جمع سالم مذكرا كان أم مؤنثا نحو الكفرين ، الظلمين ، المسلمت ، المؤمنت وغير ذلك .
وحذفوا الألف من الأسماء الأعجمية نحو : عمرن ولقمن وإبرهيم وإسحق سوى ما قل استعماله نحو: قارون وطالوت وجالوت ، فلم يحذفوا منه ، وفي هاروت وماروت وهامان اختلاف .
و « كتاب والكتاب» في جميع القرآن في كل المصاحف بغير ألف سوى أربعة مواضع : « لكل أجل كتاب» الرعد 38 ، « كتاب معلوم » الحجر 4 « من كتاب ربك » الكهف 27 « تلك آيات القرآن وكتاب مبين » النمل 1 .
والألف محذوفة في المصحف من « يا » التي للنداء ، و«ها» التي للتنبيه ، و« هذا ، وهذه وهكذا وذلكم ولكن وأولئك » .
وحذفت الواو في قوله : « الغاون » « ليسُئوا » ، وكذلك كتبوا كل ما قبل واو الجمع فيه همزة نحو: « مستهزءون » ، « متكئون » ، « فمالئون» ، وكذلك في « المؤءودة » « داود» .
وحذفت الياء اكتفاء بالكسرة ، فمن جميع المحذوفات التي اختلف القراء فيها ، كل ذلك مرسوم في المصحف بغير ياء ، سواء كانت الياء لاما أو ياء إضافة ، نحو قوله : « الداع إلى دعان» البقرة 186 ، « فارهبون » البقرة 40 « فاتقون » البقرة 41 وغيرها .
ومن ذلك ما تجتمع فيه ياءان إحداهما علامة الجمع نحو : « النبين » « الأمين » إلا قوله «عليين » المطففين 18 فإنه مرسوم بيائين .
[3) البدل :
تبدل الألف واوا في ثمان كلمات جمعها ابن البنا في قوله : « بهداية مثل المشكوة وإقام الصلوة بالعشي والغدوة وإيتاء الزكوة واجتناب الربوا ومنوة تجعل للعبد النجوة وطيب الحيوة » .
ومنها ما كتب بالهاء أ بالتاء من هاء التأنيث : فمن ذلك النعمة التي كتبت بالهاء إلا في أحد عشر موضعا فإنها وقعت بالتاء ، أولها في البقرة 231 « واذكروا نعمة الله عليكم » وفي آل عمران 103 « واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء » ، وفي المائدة 11 « واذكروا نعمة الله عليكم إذ هم » ، وفي إبراهيم 28 « بدلوا نعمة الله كفرا » ، وفيها أيضا الآية 34 « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » ، وفي النحل 72 « وبنعمة الله يكفرون » وفيها أيضا الآية 83 « يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها » ، وفيها 114 « واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون » ، وفي لقمان 31 « تجري في البحر بنعمة الله » ، وفي فاطر 3 « يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله » ، وفي الطور 29 « فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون » .
ومنها أيضا السنة وجميع ما في كتاب الله من ذكر السنه فهو بالهاء إلا خمسة مواضع، فإنها وقعت في المصحف بالتاء ، قوله تعالى : } قد مضت سنة الأولين { الأنفال 38 ، وفي فاطر 43 } إلا سنة الأولين { ، وفيها 43 أيضا } فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا{ وفي غافر 85 } سنة الله التي قد خلت في عباده { .
4) الهمز :
هناك كلمات كتبت على التخفيف مثل : يومئذ ، وحينئذ ، ولئن ، ولئلا . فأما لئلا فالهمزة فيه مبدلة ياء لانفتاحها وانكسار ما قبلها .
ـ باب الملأ : جميع ما في كتاب الله من ذكر الملأ ، فهو بالألف من غير واو إلا في أربعة مواضع : في المومنين « فقال الملؤا » وفي النمل « قالت يا أيها الملؤا إني ألقي » وفي « قالت يا أيها الملؤا افتوني » وقوله أيضا في « قال يا أيها الملؤا أيكم ياتيني بعرشها » .
ـ باب جزؤا : جميع ما في كتاب الله من ذكر « جزاء » هو بغير واو إلا خمسة أحرف : في المائدة « وذلك جزؤا الظالمين » ، وفيها « إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله » وفي طه « وذلك جزؤا من تزكى » وفي الشورى « وجزؤا سيئة سيئة مثلها » ، وفي الحشر « وذلك جزؤا الظالمين » وقال بعضهم هي أربعة ويخرج الحرف الذي في طه .
ـ باب شركاء : جميع ما في كتاب الله من ذكر شركاء فهو بغير واو إلا حرفين : في الأنعام « شركؤا لقد تقطع بينكم » ، وفي الشورى « شركؤا شرعوا لهم من الدين » ، وقد ذكر بعض العلماء الحرف الذي في ن والقلم « أم لهم شركؤا » أنه بالواو أيضا وهو مختلف فيه .
ـ باب علماء : وكتب في الشعراء « علمؤا بني إسراءيل » وفي فاطر « من عباده العلمؤا» بالواو والألف لا غير .
ـ باب البلاء : وقع في الصافات : } إن هذا لهو البلؤا المبين { ، وفي الدخان } ما فيه بلؤا مبين { بالواو والألف ليس في القرآن غيرهما .
5) الوصل والفصل :
مثال ذلك « إن ما » كله في القرآن موصول إلا في موضع واحد ، وهو في قوله في الأنعام 134 } إن ما توعدون لآت { فإنه مقطوع .
ـ « أن ما » جميع ما في كتاب الله من ذكرها فهو موصول في المصحف إلا في موضعين : الأولى في الحج } وأن ما يدعون من دونه هو الباطل { آية 62 ، وفي لقمان 30 } وأن ما يدعون من دونه الباطل { .
ـ « عما » جميعها موصول في القرآن إلا في موضع واحد ، وهو قوله في الأعراف 166 } فلما عتوا عن ما نهوا عنه { « وما » هي بمعنى « الذي » .
ـ « مما » جميعها موصول في المصحف إلا في ثلاثة مواضع : الأول في النساء 25 } فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المومنات { ، والموضع الثاني في الروم / 28 } هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء { ، والثالث في المنافقين /10 في قوله تعالى : } وأنفقوا من ما رزقناكم{ .
ـ « أين ما » جميع ما في كتاب الله من ذكر « أينما » فهو مقطوع إلا أربعة مواضع : الأول في البقرة / 115 قوله تعالى : } فأينما تُولوا فثم وجه الله { ، والموضع الثاني في النحل / 76 قوله تعالى } } أينما يوجهه لا يات بخير { ، والموضع الثالث في الشعراء / 92 قوله تعالى} أينما كنتم تعبدون من دون الله { ، والموضع الرابع في الأحزاب / 61 في قوله : } أينما ثقفوا{ .
واختلفوا في التي في النساء فمنهم من يقطعها ومنهم من يصلها ، وهي قوله تعالى : }أينما تكونوا يدرككم الموت { آية 78 .
ـ « كل ما » : كل ما في المصحف موصول إلا في موضعين : الأول في النساء / 91 قوله تعالى : } كل ما ردوا إلى الفتنة أُركسوا فيها { ، والثاني في إبراهيم قوله تعالى : } من كل ما سألتموه { 34
ـ « بئس ما » : جميع ما في كتاب الله من ذكر بئس ما مقطوع إلا ثلاثة أحرف : الأول في البقرة / 93 } قل بئسما يأمركم به إيمانكم { ، والثاني فيها أيضا } بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا { آية 90 ، والثالث في الأعراف / 150 وهو قوله تعالى : } بئسما خَلفتموني من بعدي{ .
رابعا: المصنفات في الرسم العثماني:
أفرد هذا العلم بمجموعة من المصنفات منذ عصر التدوين ، واهتم به العلماء ، وأولوه عناية كبيرة ، ومن أشهر المؤلفات المطبوعة في هذا الباب :
ـ " هجاء مصاحف الأمصار" لأبي العباس المهدوي [7] ( تـ 427هـ )
ـ " البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان" لأبي عبد الله محمد بن يوسف الجهني[8] (ت 442هـ ) .
ـ " المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار " ، ومعه" كتاب النقط " لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني [9] ( ت 444 هـ ) .
ـ " عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل" لابن البنا المراكشي العددي [10] ( ت 721 هـ ) .
ـ " دليل الحيران في شرح مورد الظمآن "[11] للمارغيني إبراهيم بن أحمد التونسي[12] .
ـ " رسم المصحف : دراسة لغوية تاريخية " لغانم قدوري الحمد . [13]