تدبر الفاتحة إيمانا وإسلاما وإحسانا من عيون التفاسير المشهورة والمغمورة
بقلم: الحسين مولاي هشام اشبوكي
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
إيمانا:
قال بعض السلف: إن الإنسان يخرج من هذا العالم ونفسه قد ذهب ذكرها، فيكون طفلا لا تمييز له إلا ما لسائر الحيوان من الحس والحركة الإرادية، فإذا قويت النفس فأول ما يحدث لها من التمييز الذي ينفرد به الناطق من الحيوان فهم ما أدركت بحواسها الخمس، ليعرف الإنسان بعد ذلك إدراكا سادسا وهو علمه بالبديهيات وهي كثيرة، منها علمه بأنه لا يكون شيء إلا في زمان، فإنك إذا ذكرت له أمرا ما قال متى كان، ومنها، وهو مرادنا من هذه المقدمة، علمه بأنه لا يكون فعل إلا لفاعل فإنه إذا رأى شيئا قال من عمل هذا ولا يقنع البتة بأنه انعمل دون عامل، وإذا رأى بيد آخر شيئا قال من أعطاك هذا، إلى غير ذلك من الأمثلة.
وهي كلها تشير إلى طرف من أوائل العقل التي لا يختلف فيها ذو تمييز صحيح. وحكمة التسبيب من جملة أوائل العقل التي أظهرها الله سبحانه للإنسان منذ فجر البشرية.
نأتي إلى الآية الكريمة فنقول: لما أظهر الله سبحانه للناس جميعا حكمة التسبيب وأرى الخلق استفادة بعض الأشياء من أشياء أخر متقدمة عليها كأنها أسبابها، وقف بعض الناس عند أول سبب فلم ير ما قبله، ومنهم من وقف عند سبب السبب إلى ما عساه ينتهي إليه عقله، فطوى الحق تعالى تلك الأسباب وأظهر بالبسملة أي بتقديم الجار أن كل شيء باسمه لا بسبب سواه.
ولا يخفى ما في البسملة من الرد على القدرية وغيرهم ممن يقول: إن أفعالهم مقدورة لهم. وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه علمنا هنا عند الابتداء بكل فعل أن نفتتح بالبسملة.
فمعنى "بسم الله" أي بالله. ومعنى "بالله" أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل إليه.
ولما كان اسم الجلالة علما وكان جامعا لجميع معاني الأسماء الحسنى أولى الرحمن من حيث أنه كالعلم في أنه لا يوصف به غيره، ومن حيث إنه أبلغ من الرحيم فأولى الأبلغ الأبلغ، وذلك موافق لترتيب الوجود: الإيجاد ثم النعم العامة ثم الخاصة بالعبادة، وذكر الوصفان ترغيبا، وطويت النقمة في إفهام اختصاص الثاني لتمام الترغيب بالإشارة إلى الترهيب. والمراد بهما هنا أنه سبحانه يستحق الاتصاف بهما لذاته، وكررهما بعد تنبيها على وجوب ذلك للربوبية والملك، وللدلالة على أن الرحمة غلبت الغضب، وفيهما إلى ما ذكر من الترغيب الدلالة على سائر الصفات الحسنى، لأن من عمت رحمته امتنع أن يكون فيه شوب نقص.
فالله سبحانه هو المختص وحده باجتماع هاتين الصفتين، كما أنه المختص وحده بصفة الرحمن. فمن الجائز أن يوصف عبد من عباده بأنه رحيم ولكن من الممتنع من الناحية الإيمانية أن يوصف عبد من عباده بأنه رحمن. ومن باب أولى أن تجتمع له الصفتان.
إسلاما:
والبدء باسم الله هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في أول ما نزل من القرآن باتفاق، وهو قوله تعالى: اقرأ باسم ربك.. وهو الذي يتفق مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن.. فهو سبحانه الموجود الحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه.. فباسمه إذن يكون كل ابتداء. وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه.
ولهذا ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل؛ كالأكل والشرب والنحر؛ والجماع والطهارة وركوب البحر، إلى غير ذلك من الأفعال؛ قال الله تعالى: "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه". [الأنعام:118]. "وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها" [هود:41]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله). وقال: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً). وقال لعمر بن أبي سلمة: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك). وقال: (إن الشيطان ليستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه) وقال: (من لم يذبح فليذبح باسم الله). وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر). هذا كله ثابت في الصحيح. وروى ابن ماجة والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله). وروى الدارقطني عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى، ثم يفرغ الماء على يديه.
ولا يكفي التلفظ بالبسملة عند بدأ الأعمال كما يفعله جل المسلمين، إن لم نقل كلهم، أفرادا من الشعب أو سياسيين من الطبقة الحاكمة، إذ الواجب الأول أن نتحقق بمضمون هذه البسملة.. فلا تمثيل للشعب في الإسلام إلا إذا كان باسم الله الأعلى. ومتى تقول مجالس النواب حقيقة: بسم الله، وتدع قول اللبس: باسم الشعب.. فإن مرحلة من الرشد والسداد تنتظر المسلمين لا محالة.
كيف لا وشريعتنا السمحة التي كانت بسم الله الرحمن الرحيم لا تعرف إلا قاعدة الرحمة الشاملة لكل المجالات والممتدة من جهة الزمان والأشخاص. فليس للشريعة بين المسلمين صبغة الصرامة القاسية المفرطة، بل هي متميزة بخصائص التيسير ورفع الحرج والمشقة واحترام حقوق الإنسان حسب منهاج النبوة الخالد.
وبما أن رحمة القرآن تتكرر في كل جيل وتقع في كل عصر فإن من رحمة الشريعة إمكانية تطبيقها في كل زمان وليس، كما يعتقده البعض الجاحد للدين، خاصة كأي قانون يحكم البشر بفترة نزول مصدرها الذي هو الوحي.
إحسانا :
من كان دأبه هو الحرص على ذكر البسملة عند إقدامه على فعل أي أمر فلن يكون هذا الأمر في الأخير إلا حسنا وبرا من جملة البرور. ذلك لأن من دام حرصه على ذكر البسملة أول كل فعل لن يجرأ على ذكرها أول كل فعل حرام، بل ستنشأ من ترداد ذكره للبسملة دائرة نورانية تحيط به وتجعله لا يعرف إلا الحلال أو حلال الحلال إلى أن تصير دنياه التي تحل له كالمحذوفة بالنسبة لاستغراقه في حب ما يأتيه من عند الله العلي القدير من رزق وعون معنويين.
إن العبد حين يعرف ربه عز وجل فإنه يعرفه من جهة نظام الرحمة الممدود من السماء إلى الأرض فيعي أن الرحمة الإلهية عامة لكل الناس مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم. ثم يعي أيضا أن من يريد الاستفادة من هذا النظام الإلهي فعليه أن يرحم هو بدوره الأقل منه جاها أو مالا أو علما فتراه مستغرقا في فعل الرحمة متيقنا أن الرحمة المهداة منه للخلق ستقابلها رحمة مهداة إليه من الرب جل علاه، بناء على قاعدة الرحمة التي مفادها: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
وهو ما أرادت أن تشير إليه البسملة القرآنية التي لم تكتف في لفظها بـ"باسمك اللهم"، بل أولى الله عز وجل في وصف نفسه بوصف الرحمة مستخدما وزنان من أوزان المبالغة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم.
فكما يتعلق المرء بنظام الرحمة فإن رضا العبد أن تكون أحواله كلها على منوال الرحمة سيجعله يسير على الرحمة المهداة للعالمين جميعا وهو سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليدخل هذا العبد في أخص نظام من نظام الرحمة وهو نظام الرضا فلا يرضى إلا أن تكون أحواله وأعماله وأقواله باسم الله سبحانه. فقد ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد نبيا ورسولا. فلا تمر الثانية إلا وقد أسلم هذا العبد المرحوم.
﴿الحـمـد لله﴾
إيمانا :
الحمد لله هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله.. فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضا من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء. وفي كل لمحة وفي كل لحظة وفي كل خطوة تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلها وبخاصة هذا الإنسان.. ومن ثم كان الحمد لله ابتداء، وكان الحمد لله ختاما قاعدة من قواعد التصور الإسلامي المباشر: وهو الله لا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة.. .
ولما كانت البسملة نوعا من الحمد ناسب كل المناسبة تعقيبها باسم الحمد الكلي الجامع لجميع أفراده، كأنه قيل: احمدوه لأنه المستحق لجميع المحامد، وخصوا هذا النوع من الحمد في افتتاح أموركم لما ذكر من استشعار الرغبة إليه والرهبة منه المؤدي إلى لزوم طريق الهدى.
فقد علّم الله سبحانه عباده من خلال هذه الآية الكريمة كيف يثنون عليه سبحانه. فالثناء الجميل إنما يستحقه العظيم الجليل، فلا يستحق الحمد سواه، إذ لا منعم على الحقيقة إلا الله.. وما بكم من نعمة فمن الله.. فجميع المحامد كلها لله.. والحمد المعهود في الأذهان هو حمد الله تعالى نفسه في الأزل قبل أن يوجد خلقه، فلما أوجد خلقه قال لهم: الحمد لله، أي احمدوني بذلك الحمد المعهود في الأزل.
فمعنى الحمد لله أي سبق الحمد مني لنفسي قبل أن يحمدني أحد من العالمين، وحمدي لنفسي في الأزل لم يكن بعلة، وحمدي الخلق مشوب بعلل. فاستفراغ طوق عباد الله هو محل العجز عن حمده سبحانه. ألا ترى سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كيف أظهر العجز بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك. فلما علم الحق جل جلاله عجزنا عن القيام بواجب حمده، حمد نفسه عنا لتكون النعمة أهنأ لدينا حيث أسقط عنا به ثقل المنة.
إسلاما :
يبلغ من فضل الله سبحانه وفيضه على عبده المؤمن، أنه إذا قال: الحمد لله كتبها له حسنة ترجح كل الموازين.. ففي سنن ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثهم أن عبدا من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت الملكين فلم يدريا كيف يكتبانها. فصعدا إلى الله فقالا: يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها. قال الله وهو أعلم بما قال عبده: وما الذي قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها.
ولهذا سن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن نحمد الله على كل نعمة من نعمه أعطاها لنا. فروى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها.
وقال الحسن عليه السلام: ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها. وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ.
وروى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملآ ما بين السماوات والأرض.
فمن جلائل فضائل خلق المسلم أن يكون كثير الحمد لله، في أحواله كلها، إذا أكل حمد الله وإذا شرب حمد الله وإذا قضيت له حاجة حمد الله، وإذا تعلم مسألة من العلم حمد الله وهكذا في أمره كله حتى فيما يكره من الأمور لأنه لا يعلم أين يكون الخير هل هو فيما يحب أو فيما يكره.
فحمد المنعم على نعمه يرجع إلى حب الحق وإيثاره والاعتراف به ومقابلة الجميل بالثناء عليه.
ومن هنا نتبين أيضا أن الدنيا مبنية على بذل النعم للعباد لينالوها ويتمتعوا بها، وليشكروا الله عليها فيجازيهم في الدار الأخرى، فلما كانت كذلك اقتضى أن تكون الشريعة مبنية على بيان وجه الحمد والشكر في كل نعمة وبيان وجه الاستمتاع بالنعم المبذولة مطلقا. ومن ثم لا يستحق القانون جميع المحامد إلا إذا كان تابعا للشريعة إتباعا دقيقا. وفي حال نفوذ هذا القانون وتطبيقه يجب على المسلمين احترامه والعمل به لنكون بذلك حامدين حقيقة لله عز وجل.
إحسانا :
ذهب بعض العلماء إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد سواء. وقال بعضهم إن الشكر أعم من الحمد لأنه باللسان وبالجوارح والقلب، والحمد إنما يكون باللسان خاصة. وقيل الحمد أعم لأن فيه معنى الشكر ومعنى المدح وهو أعم من الشكر، لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد.
والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان. فالحمد لذلك أعم من الشكر لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر، والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا، فصار الحمد أعم في الآية لأنه يزيد على الشكر.
ولهذا كان من شرائط الحمد أنه إذا أعطاك الله شيئا تعرف من أعطاك، والثاني أن ترضى بما أعطاك، والثالث ما دامت قوته في جسدك ألا تعصيه.
فلابد للقلب إذن من أن يعرج من مقام الشكر إلى مقام الحمد، فلا يقتصر ثنائه على الله في أوقات السعة والخير. بل يكون الحمد سجية له ولو في ساعات الضيق والمصائب نظرا لشمول نعم أخرى أرجاء حياتنا وذواتنا قد نغفل عنها عند حرماننا من النعم التي بفقداننا لها ذقنا مرارة الضيق والمصيبة.
ومن ثم كان الشكر على الشكر أتم من الشكر وذلك بأن ترى شكرك بتوفيقه ويكون ذلك التوفيق من أجل النعم عليك، فتشكره على الشكر، ثم تشكره على شكر الشكر إلى ما لا يتناهى.
ولهذا قال أحد العارفين شكر العامة على المطعم والملبس وشكر الخواص على ما يرد على قلوبهم من المعاني.
فإحساس العارف بالله بأسباب الشكر مهما دقت وخفيت في معاني القلوب لا تجعل الشكر على ذلك إلا شكرا. إلا إذا انقطع مثل هذا الإحساس بعد الانقطاع عن الحس بالفناء في الله المحمود فإن الشكر يستحيل حمدا لله عز وجل عالقا بأذيال الفيض من حمد الله نفسه بنفسه في الأزل.
﴿رب العالمين﴾
إيمانا :
لما أثبت بقوله: ﴿الحمد لله﴾ أنه المستحق لجميع المحامد لا لشيء غير ذاته الحائز لجميع الكمالات أشار إلى أنه يستحقه أيضا من حيث كونه ربا مالكا منعما فقال: ﴿رب العالمين﴾ مشيرا إلى ابتداء الخلق وتنبيها على الاستدلالات بالمصنوع على الصانع وبالبداءة على الإعادة.
ومتى أدخلت الألف واللام على رب اختص الله تعالى به لأنها للعهد، وإن حذفنا منه صار مشتركا بين الله وعباده، فيقال: الها رب العباد، وزيد رب الدار، فالله سبحانه رب الأرباب، يملك المالك والمملوك، وهو خالق ذلك ورازقه، وكل رب سواه غير خالق ولا رازق، وكل مملوك فمملّك بعد أن لم يكن، ومنتزع ذلك من يده، وإنما يملك شيئا دون شيء، وصفة الله تعالى مخالفة لهذه المعاني، فهذا الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين.
فعلى أن الرب بمعنى المدبر لخلقه ومربيهم يكون صفة فعل، وعلى أن الرب بمعنى المالك والسيد يكون صفة ذات. فالرب هو الخالق والمالك والسيد والمصلح والمدبر والمربي والجابر والقائم والرازق.. .
فالله سبحانه لم يخلق الكون ثم تركه هملا، إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه. وكل العوالم والخلائق تحفظ وتتعهد برعاية الله رب العالمين. والصلة بين الخالق والخلائق دائمة ممتدة قائمة في كل وقت وفي كل حالة.
فإطلاق الربوبية في هذه السورة وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعا، هي مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة، لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد، تقر له بالسيادة المطلقة، وتنفض عن كاهلها زحمة الأرباب المتفرقة، وعنت الحيرة كذلك بين شتى الأرباب.. ثم ليطمئن ضمير هذه العوالم إلى رعاية الله الدائمة وربوبيته القائمة، وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبدا ولا تفتر ولا تغيب.
إسلاما :
من الحقوق الإلهية السامية حق تربية العالم البشري بالتشريع الإسلامي. فيجب على إرادة الإنسان أن تتجه مختارة، كما تتجه العوالم كلها اضطرارا إلى الرب الواحد القهار تقر له بالسيادة المطلقة والقضاء الأبدي.
ومن هنا وتعبيرا عن إرادة دولة الإيمان والقرآن، فإن مقتضيات الشريعة الإسلامية تطبق على كل ما يقع في حدود إقليم هذه الدولة بصرف النظر عن جنسية الأشخاص.
وعلى أي، فإذا كان كل ما في العالمين بكل أقسامه يخضع لمبدأ عالمية الربوبية المطلقة فإن العالم البشري الإسلامي يخضع لمبدأ إقليمية القوانين الإسلامية الخالدة.
هذا من جهة الجماعة. أما من جهة الأفراد، فإن المسلم المؤمن بالله لا يرضى بغيره ربا يدبر أمره ويشرع له ويقنن. فلا ترى المسلم إلا واقفا عند أحكام ربه مهتديا ومتبعا ومطيعا. وهذا الاهتداء والاتباع والطاعة لم تكن إلا بمحض اختياره ورضاه بحكم الله بعد رضاه العام بالله ربا.
إحسانا :
إن رضا العبد بالله ربا يجعله لا يعيش في حدود وسطه الضيق. بل ترى هذا العبد في قرارات نفسه ينساق وراء تناسق العوالم الكونية كلها لا يسعه إلا رحابها الواسعة ولا يرتاح إلا في أكنافها المترامية.
إن مثل هذا العبد لا يعرف ما عرفته البشرية، بعدما حادت عن الإيمان بالله وما يتبعه من مراقبته سبحانه في الخلوات، من أزمات تدعى بالأزمات النفسية تضيق فيها نفس الإنسان وتتنغص وتتكدر ولا تعرف إلا لغة الضعف والانهيار بل وحتى الانتحار.
لقد شرع الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بعدما ضاقت عليه أرض مكة بما رحبت، الهجرة منها ما دام العالم الذي عاش فيه بين أبناء عمومته وقبيلته لم يكن يقبل بوجوده بينهم.
كانت الهجرة من عالم مكة إلى عالم المدينة، نتيجة إيمانية خالصة لمقتضى الرضا بالربوبية المطلقة لله عز وجل للعالمين جميعا. فإن كان عالم مكة في تلك الآونة متمردا على ربوبية الله، فإنه في آونة لاحقة سيعرف فتحا مبينا يرجع من خلاله العالم المتمرد إلى كنف الرب سبحانه مستمدا منه العون والهداية.
فالذي يخطط لمستقبله أو لمستقبل بلده دون أن يعي أن الأدوار التي وضعها الله لمن حوله أو حول دولته وبلده تابعة لربوبية الله عز وجل لهذا الكون، لا يمكنه المسير بتخطيطه نحو أفق راشد. فمن غفل عمن حوله من العوالم الأخرى أو غض طرفه عنها ولم ير إلا عالمه ومحيطه الذي يعيش فيه فقد كتب على نفسه الشقاء إن لم يرحم برحمة إلهية لدنية.
فهجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع صحابته لم تكن مجرد رحلة من كون إلى كون بل كانت رحلة من العالمين جميعا إلى ربها ومالكها وسيدها ومدبرها.
﴿الـرحمـن الرحيم﴾
إيمانا :
ولما كانت مرتبة الربوبية لا تستجمع الصلاح إلا بالرحمة اتبع ذلك بصفتي ﴿الرحمن الرحيم﴾ ترغيبا في لزوم حمده، وهي تتضمن تثنية تفصيل ما شمله الحمد أصلا.
إن الرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق.. ومن ثم كانت صفتا الرحمن الرحيم مستغرقتين كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها تتكرر هنا في صلب السورة في آية مستقلة، لتؤكد السمة البارزة في تلك الربوبية الشاملة ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الرب ومربوبيه وبين الخالق ومخلوقاته.. إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء. إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية.
إسلاما :
تتجلى رحمة الشريعة الإسلامية على سبيل الذكر لا الحصر في النقاط التالية:
- تيسير تطبيقها وعفوها عما سلف من المراكز التي رتبها القانون الجاهلي القديم على وقائع تمت في ظله.
- تنزيل أحكامها على أسلوب التدرج الذي يعرف اليوم بالقواعد الانتقالية التي تضع حلولا خاصة تهدف إلى وضع انتقالي بين قانون قديم وآخر جديد.
- دعوته الآمرة بتحقيق العدالة الاجتماعية والتشاور السياسي داخل جماعة المسلمين.
مرجع هذه الرحمة ثبات الكتاب والسنة في الزمن الممتد، وصلاحيتهما الدائمة لتأطير بنيات المجتمع بدءا من المسجد ومرورا بالأسرة ووصولا إلى مقر الحكم والإمارة.
فما يشكو منه القانون المستقل بنفسه والجاحد للدين في أصل تكوينه من عدم نفوذ أحكامه نفوذا أبديا بتغير طارئ في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع يحد من دوار نفع القاعدة القانونية لا نجده في محكم الكتاب والسنة.
فلا يمكن إذن تصور إلغاء قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية المجمع على العمل بها بين علماء المسلمين.. فمن رحمة الله بخلقه أن يسر لنا البحث عن القوانين الضرورية بحفظه للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لننشغل في مهمتنا الخلافية بالتوسع الدعوي والبناء الحضاري.
إحسانا :
الرحمة إحسانا ما جاء من الله تعالى للعبد هداية كبعث الرسل إليه أو بعث من هم على أقدامهم من الدعاء المربين. فهي بكل بساطة تعلق القلب بتلك الهداية مع الاستمساك بعروتها حتى تنور كيانه ويتمكن في محبة الله عز وجل. تلك المحبة التي تؤدي للعمل والجهاد في سبيل الله.
فالرحمة نور من الله يغشى القلب بعدما يطهره من أدناس المعصية وأوحال الإثم، فتظل تلك الرحمة ساكنة شيئا فشيئا في صدر الإنسان لتشع نورانيتها على سائر الجسد فيصير العبد من جملة المرحومين بنعم المعرفة والهداية وكشف الحجاب وفتح الباب والدخول مع الأحباب.
﴿مالك يوم الدين﴾
إيمانا :
ولما كان الرب المنعوت بالرحمة قد لا يكون مالكا وكانت الربوبية لا تتم إلا بالملك المفيد لتمام التصرف، وكان المالك قد لا يكون ملكا ولا يتم ملكه إلا بالملك المفيد للعزة المقرون بالهيبة المثمرة للبطش والقهر المنتج لنفوذ الأمر أتبع ذلك بقوله: ﴿ملك يوم الدين﴾ ترهيبا من سطوات مجده.
ولما لم يكن فرق هنا في الدلالة على الملك بين قراءة ملك وقراءة مالك جاءت الرواية بهما، وذلك لأن المالك إذا أضيف إلى اليوم أفاد اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض، فلا يكون لأحد معه أمر ولا معنى للملك سوى هذا.
ولا يجوز أن يتسمى أحد باسم الملك ولا يدعى به إلا الله تعالى، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآلأه وسلم: يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض. وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك – زاد مسلم – لا مالك إلا الله عز وجل.
وقيل لم خصص يوم الدين وهو مالك يوم الدين وغيره؟ فجوابه لأن في الدنيا كانوا منازعين له في الملك، مثل فرعون ونمروذ وغيرهما، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه وكلهم خضعوا له كما قال تعالى: لمن الملك اليوم؟ فأجاب جميع الخلق: لله الواحد القهار. فلذلك قال عز من قائل: مالك يوم الدين، أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره سبحانه لا إله إلا هو.
فالملك أقصى درجات الإستيلاء والسيطرة ويوم الدين هو يوم الجزاء في الآخرة.. وكثيرا ما اعتقد الناس بألوهية الله وخلقه للكون أول مرة ولكنهم مع هذا لم يعتقدوا بيوم الجزاء. ذلك لأنهم لا يؤمنون بأن الله قد بعث رسلا بشرائع وابتلانا سبحانه بأوامره ونواهيه ورتب على طاعته أو عصيانه حسابا أخرويا
إسلاما :
إن فكرة الجزاء في الشريعة الإسلامية وامتدادها إلى ما بعد الموت يعطي انطباعا خاصا لهذه الشريعة السمحة والنبات الذي تزرعه على أرض التربية المطلوبة في كل تنظيم بشري. فالذنب والنكتة السوداء وإحساس المرء القريب باقتراف ما لا ينبغي اقترافه، كلها معان مثمرة إن وجدت تعبئة تربوية واسعة في واقعنا المفتون.
إلا أنه لا يكتسب الجزاء التشريعي سلطة الهيبة والتنفيذ والبطش إذا لم يكن للحاكم حق الفصل بين الناس. ويكون هذا الحاكم وإن كانت عقيدته إسلامية منازعا لله في دنيا حكومته إذا ما طبق مقتضيات قانون لا يعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها مصدرا مباشرا وأوليا لنصوصه وفصوله.
على أن اللجوء إلى العدالة بالنسبة للمسلم لا يقتصر على القضاء الذي يباشره قضاة الأرض بل إن نفس المسلم المظلوم تطلب في دعاء وتضرع من العلي الأعلى القدير أن يفصل أو يجازي أو يسمح أو ينتقم مطمئنة أن يوم العدالة الحقيقي آت كما أن بعد اليوم غدا.
إحسانا :
الاعتقاد بيوم الدين كلية ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الأرض وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات. ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وفي مجال الأرض المحصور. وعندئذ يملكون العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يقدره الله، في الأرض أو في الدار الآخرة سواء، في طمأنينة لله وفي ثقة بالخير وفي إصرار على الحق وفي سعة وسماحة ويقين.. .
ومن ثم فإن هذه الكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان، بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها والتعلق بالقيم الربانية والاستعلاء على منطق الجاهلية والفتنة، مفرق الطريق بين الإنسانية في حقيقتها العليا التي أرادها الله الرب لعباده والصور المشوهة المنحرفة التي لم يقدر لها الكمال.
وما تستقيم الحياة البشرية على منهج الله الرفيع ما لم تطمئن قلوب البشر إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير.. وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأن له حياة أخرى تستحق أن يجاهد لها، وأن يضحي لنصرة الحق والخير معتمدا على العوض الذي يلقاه فيها.
وما يستوي المؤمنون بالآخرة والمنكرون لها في شعور ولا خلق ولا سلوك ولا عمل. فهما صنفان مختلفان من الخلق وطبيعتان متميزتان لا تلتقيان في الأرض في عمل ولا تلتقيان في الآخرة في جزاء.
ويوم الدين في الظاهر هو يوم ظهور انفراد الحق بإمضاء المجازاة حيث تسقط دعوى المدعين وهو أول يوم الحشر إلى الخلود فالأبد. وهو في الحقيقة من أول يوم نفوذ الجزاء عند مقارفة الذنب في باطن العامل إثر العمل إلى أشد انتهائه في ظاهره، لأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر. ولذلك يؤثر عنه عليه الصلاة والسلام: إن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء. وأيضا فكل عقاب يقع في الدنيا على أيدي الخلق فإنما هو جزاء من الله.
﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾
إيمانا :
فلما استحق الأمر استحقاقا وتحبيبا وترغيبا وترهيبا كان من شأن كل ذي لب الإقبال إليه وقصر الهمم عليه فقال عادلا عن أسلوب الغيبة إلى الخطاب لهذا مقدما للوسيلة على طلب الحاجة لأنه أجدر بالإجابة: ﴿إياك نعبد﴾ إرشادا لهم إلى ذلك، ومعنى نعبد تبلغ الغاية في أنحاء التذلل وأشعر بنون الاستتباع بأن الصلاة بنيت على الاجتماع، وأعقبه بقوله مكررا للضمير حثا على المبالغة في طلب العون: ﴿وإياك نستعين﴾ إشارة إلى أن عبادته لا تتهيأ إلا بمعونته وإلى أن ملاك الهداية بيده.
فانظر كيف ابتدأ سبحانه بالذات، ثم دل عليه بالأفعال، ثم رقي إلى الصفات، ثم رجع إلى الذات إيماء إلى أنه الأول والآخر المحيط، فلما حصل الوصول إلى شعبة من علم الأفعال والصفات علم الاستحقاق للأفراد بالعبادة فعلم العجز عن الوفاء بالحق فطلب الإعانة.
وتعلن هذه الكلية الاعتقادية ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل. التحرر من عبودية الأوهام والتحرر من عبودية النظم والتحرر من عبودية الأوضاع. وإذا كان الله وحده هو الذي يعبد والله وحده هو الذي يستعان، فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات.. .
ومن جملة الأوضاع التي استعبدت الإنسان ردحا من الزمان موقفه من قوى الطبيعة الجبارة الموجودة في العالمين جميعا. فعقيدة المسلم توحي إليه بأن الله ربه قد خلق هذه القوى كلها لتكون له صديقا مساعدا ومتعاونا. وبذلك لن تستطيع الأوهام أن تملأ حسه تجاه هذه القوى الهائلة ولن تقوم بيه وبينها مخاوف.. فالمسلم يؤمن بالله وحده ويعبده وحده ويستعين بالله وحده وما هذه القوى إلا خلق من خلق ربه فهو يتأملها ويألفها ويتعرف أسرارها، فتبذل له معونتها وتكشف له عن أسرارها.
وهكذا في مختلف الأوضاع التي كان فيها الإنسان مستعبدا لا يعرف للحرية مذاق ولا للتحرر مساق.
كما أن في هذه الآية دليل على بطلان قول القدرية والجبرية على السواء وأن الحق بين ذلك. فالقدرية أفرطوا والجبرية فرطوا، وأهل السنة جمعوا بين اعتقاد كسب العبادة للعباد وبين اعتقاد أن أفعال العباد دون معونة الله غير مقدورة.
إسلاما :
أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك فمن عبد غير الله تعالى بأي نوع من أنواع العبادة فهو مشرك وإخلاص الطاعة وتمام الانقياد في الدين لغير الله تعالى شرك به إذ العبادة هي الطاعة والانقياد وأما السجود والركوع فمن العبادة وليس هو العبادة بل هو مظهر لتمام الخضوع والطاعة والذلة والانقياد. قال تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: يا أبت لا تعب الشيطان، ومن المعلوم أن أحدا لا يرى الشيطان ولا يعبده بمعنى السجود والركوع واتخاذه ربا بالمعنى المعهود للربوبية وإنما يطيعه فيما يأمره به ويلقيه في النفس ويزينه من معصية الله تعالى، فسمى الله تعالى ذلك عبادة ونهى عنها.
وقال تعالى: أرأيت من اتخذ إلاهه هواه، وقال بعض العلماء إن الآلهة املعبودة من دون الله متعددة مختلفة فأكثفها الحجارة وألطفها الهوى. والمقصود أن الطاعة والانقياد عبادة بنص القرآن والسنة. فمن أطاع مخلوقا فيما لا يرضي الله تعالى أو لم يأمره بطاعته فهو عبد له يعبده من دون الله تعالى ويشرك به مع الله إذ لم يكن جانبه أقوى في نظره من جانب الله تعالى وطاعته مقدمة على طاعته. فأما إذا فعل ذلك فهو مشرك كافر صراحة ولو نطق بما يدل على الإيمان بلسانه.
فإن قيل ما معنى النون في نعبد ونستعين؟ فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام؟ فيقال له بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة والاستعانة.
فوحدة الجماعة تظهر أول ما تظهر في المسجد حين أداء العبادات المحضة من صلاة وذكر وتلاوة القرآن، كما أنها تنال كمالها وحقيقتها حين اجتماع المسلمين جميعا على طاعة الله عز وجل بتطبيق قانونه الأعلى تطبيقا شاملا وعادلا.
وقرنت الاستعانة بالعبادة للجمع بين ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى وبين ما يطلبه من جهته.. وقدمت العبادة على الاستعانة لتقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة لتحصل الإجابة إليها.
إحسانا :
لما ذكر الحقيق بالحمد ووصف بصفات عظام تميز بها عن سائر الذوات تعلق العلم بمعلوم معين، خوطب بذلك، أي: يا من هذا شأنه نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، ليكون أدل على الاختصاص، وللترقي من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلوم صار عيانا والمعقول مشاهدا والغيبة حضورا.
بنى أول الكلام على ما هو مبادئ حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه والنظر في آلائه والاستدلال بصنائعه على عظيم شأنه وباهر سلطانه ثم قفى بما هو منتهى أمره وهو أن يخوض لجة الوصول ويصير من أهل المشاهدة فيراه عيانا ويناجيه شفاها.
فأظهر العبودية وأخفى الربوبية، أظهر الحكمة وأبطن القدرة، فجعل عالم الحكمة يخاطب عالم القدرة، ويخضع له ويتعبد، ويستمد منه الإعانة والهداية، ويتحرز من طريق الضلالة والغواية.
﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾
إيمانا :
من أسماء الله الحسنى الهادي فهو جل جلاله يمد خلقه بالهداية وهي أربعة أقسام:
القسم الأول ما يتعلق بالوحي ببيان ما يجب فعله وما يجب تركه وبيان وجوه فضائل الأعمال وحبائل الشيطان.
والقسم الثاني هو الهداية إلى المنافع والمصالح التي وضعها الله في هذا الكون. فقد هدى الله كل جارحة من جوارح الإنسان ما يطابق منفعتها وهدى كل جارحة إلى رسالتها ومهمتها في الحياة فأعطى العين والأذن والأنف واللسان واليد والرجل الشكل الذي يتفق مع مهمتها في الحياة وهداها إلى تلك الوظيفة والمهمة.
والقسم الثالث هو الهداية إلى العمل الصالح والإيمان بالله عز وجل والتقوى فكما أن للعبد اختيارا لفعل الخير فإن الله سبحانه يسدده إن شاء بتوفيقه وعونه.
والقسم الرابع هو الهداية إلى الجنة أو إلى النار بأن يسوق المؤمنين إلى جنات النعيم أو يسوق الكافرين إلى جهنم وبئس المصير.
وفي هذه الآية رد على القدرية والمعتزلة والإمامية لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه، طاعة كانت أو معصية، لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه، وقد أكذبهم الله تعالى في هذه الآية إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم فلو كان الأمر إليهم والاختيار بيدهم دون ربهم لما سألوه الهداية ولا كرروا السؤال في كل صلاة، وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه وهو ما يناقض الهداية.
إسلاما :
والمراد بالهداية إلى الصراط المستقيم إسلاما اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بسنته كما قال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فترفق بكم عن سبيله، والسبل هي هذه المذاهب المبتدعة والأهواء المخترعة.
فمن إعجاز القرآن تضمن هذه الآية الكريمة الإشارة لما ستكون عليه هذه الأمة بعد سلفها الصالح من التقليد والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي ستحيد به عن الصراط المستقيم وذلك أنه نبه بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم في هذه السورة الكريمة وفرض قراءتها في كل ركعة من الصلوات المفروضة المتكررة في كل يوم خمس مرات مع أن المصلي المأمور بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم مؤمن مسلم فلو كان الصراط المستقيم هو مجرد الإيمان والإسلام الظاهر كما يظنه المقلد المتصف به لما كان لطلب الهداية موقع وكونه بمعنى طلب الدوام عدول عن الظاهر وصرف اللفظ عن حقيقته وأصل وضعه.
فأعظم رغبة يجب على الحركات الإسلامية أن تزرعها في قلوب الأمة رغبة الرجوع من جديد للعمل بصراط النبوة المستقيم بجعل مقتضيات نصوص القانون المعمول بها داخل أي دولة إسلامية موافقة لمقتضيات الكتاب والسنة.
إحسانا :
وهداية الله إحسانا أن يكشف الله عن قلوب عباده السرائر والظلم والأغيار ويشرق عليها بالأنوار والأسرار ويريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة وباستعمال الفكرة في عظمة الملك العلام، حتى تستوي أنوار المعاني على حس الأواني وهو ما اختص به الأنبياء ومن على أقدامهم من الأولياء.
فالمطلوب إما زيادة ما منحوه من الهدى والثبات عليه أو حصول المراتب المترتبة عليه، فإذا تلا المريد السائر هذه الآية الكريمة عنى بقوله: أرشدنا طريق السير فيك، لتحمو عنا ظلمات أحوالنا وتميط غواشي أبداننا لنستضيئ بنور قدسك فنراك بنورك.
أما العارف الواصل فقد انمحت عنه الظلمات كلها والغواشي وسائر الأكدار لأن الله تعالى غطى وصفه بوصفه ونعته بنعته فلم يبق له وصف ظلماني.
فالصراط المستقيم التي نبهنا الحق لطلبها هي طريق الوصول إلى الحضرة التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان وهو مقام التوحيد الخاص الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد، وليس فوقه إلا مقام توحيد الأنبياء والرسل. ولابد في هذا الطريق من تربية على يد شيخ كامل عارف.. .
﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾
إيمانا :
أكد سبحانه وتعالى الإخبار بأن ذلك لن يكون إلا بإنعامه منبها بهذا التأكيد الذي أفاده الإبدال على عظمة هذا الطريق فأشار إلى أن الاعتصام به في اتباع رسله.
فالله سبحانه هو المنعم علينا بنعمه العامة لكل الخلق وبنعمه الخاصة لمن اختار طريقه ورضي به ربا وبرسوله نبيا ورسولا وبالإسلام الذي جاء به نبيه دينا.
فمن نعم الله علينا نعمة الإيجاد من عدم، ونعم الحواس الخمس، ونعمة النطق والشهادة، ونعمة الفكر والتأمل، ونعمة تسخير الكائنات للإنسان، ونعمة تسخير الإنسان لأخيه الإنسان، ونعمة الليل والنهار وما يتبعها من نعمة النوم والراحة، ونعمة الإبداع والتعمير، ونعمة تطوير الأشياء وتدبيرها.. إلى غير ذلك مما هو داخل في مسمى هذه النعم الجليلة.
ثم الله سبحانه هو المنعم علينا بالهداية بجميع أقسامها كما مر بنا في الآية السابقة، فهو الذي ينزل في قلوب عباده رحمة الإيمان به ستسري نورا في سائر أجزاء الجسم يرى من خلاله المرء الحق حقا والباطل باطلا والطيب طيبا والخبيث خبيثا.. .
إسلاما :
المنعم عليهم حقيقة هم الأنبياء وأتباعهم على ممر العصور والأجيال، وأولهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعون والسلف الصالح الذين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنهم خير القرون لأنهم كانوا دائما على صراط النبوة المستقيم لا يلتفتون إلى غيره من النظم والأفكار فلما ظهر في الأمة بدعة التقليد وخصوصا تقليد الغربيين في طرائق التفكير والتنظير كانت قرونها الملتبسة بذلك شر القرون، إذ قرن يتفق أهله على طاعة الله ورسوله والعمل بما بلغهم من الكتاب والسنة دون تقليد مخلوق هو خير كله كما أن قرونا يتفق أكثرها على اتباع السبل دون صراط النبوة المستقيم شر كلها.
إن صفات رجال القانون في الدولة الإسلامية هي نفس صفات المجتهدين الذين كانوا معروفين قديما في ثلاث فئات من الشعب هم الفقهاء والقضاة والحكام.
وللمجتهد ثلاثة شروط ينبغي أن يتحقق بها، أحدها أن يكون محيطا بمدارك الشرع متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره، والثاني أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصي القادحة في العدالة، والثالث أن يكون مؤمنا بضرورة اتباع صراط النبوة والاحتكام مع الاستناد إليه.
وهذه الشروط إن وجدت في مجتهد من مجتهدي الأمة فقد حاز صاحبها على النعمة العظمى التي لا تعدلها من جهة الإسلام نعمة وكان في جملة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إن جماعة المسلمين في طريقها إلى هذا الحال الطيب المبرور تحتاج إلى أساس متين من الصحبة الطيبة لتكون العلاقات الاجتماعية إنسانية وربانية لا تسودها إلا معاني البر والتقوى.
فصحبة العلماء كفيلة بوضع الأمور والقضايا التي يتخبط فيها الإنسان في مواضعها فلا نجرؤ على تقديم ما ينبغي تأخيره ولا على تأخير ما ينبغي تقديمه.
كما أن صحبة الصالحين ستحمي العباد من خطر المعاصي المهلكة وستزرع في النفوس حب الدين والحق والرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إحسانا :
نعم الله وإن كانت لا تحصى فهي تنحصر في جنسين دنيوي وأخروي.
فالأول وهو الدنيوي قسمان: موهبي وكسبي، والموهبي قسمان: روحاني كنفخ الروحفيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى، كالفهم والفكر والنطق، وجسماني كتخليق البدن بالقوة الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء. والكسب كتزكية النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلى المستحسنة وحصول الجاه والمال.
والثاني وهو الأخروي أن يغفر الله له ما فرط منه ويرضى عنه ويبوئه في أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الآبدين، والمراد في هذه الآية القسم الأخير وما يكون وصلة إلى نيله من القسم الأول، وأما ما عدا ذلك فيشترك فيه المؤمن والكافر.
ويبلغ من نعمة الله على العبد أن يرشده إلى الذي أنعم عليه من الأحياء قد سلك المقامات ذوقا وكشفا وحاز مقام الفناء والبقاء وجمع بين الجذب والسلوك، لأن الطريق عويص قليل خطاره كثير قطاعه وشيطان هذه الطريق فقيه بمقاماته ونوازله فلابد فيه من دليل وإلا بقي صاحبها لقيطا لا أب له دعيا لا نسب له فيضل عن سواء السبيل وإن كان له نور فالغالب غلبة الحال عليه أو أن يقف مع ما يرد من الله إليه.
﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾
إيمانا :
ولما كان سبحانه عام النعمة لكل موجود عدوا كان أو وليا، وكان حذف المنعم به لإرادة التعميم من باب تقليل اللفظ لتكثير المعنى فكان من المعلوم أن محط السؤال بعض أهل النعمة وهم أهل الخصوصية، فأريد هنا التعريف بأن النعمة عامة ولو لم تكن إلا بالإيجاد، ومن المعلوم أن السلوك لابد وأن يصادف طريق بعضهم وهم منعم عليهم فلا يفيد السؤال حينئذ، فعرف أن المسؤول إنما هو طريق أهل النعمة بصفة الرحيمية تشوقت النفوس إلى معرفتهم فميزهم ببيان أضدادهم تحذيرا منهم، فعرف أنهم قسمان: قسم أريد للشقاوة فعاند في إخلاله بالعمل فاستوجب الغضب، وقسم لم يرد للسعادة فضل من جهة إخلاله بالعلم فصار إلى العطب.
إن لله سبحانه أسماء وصفات وأفعال، والمؤمن يعتقد أن أسماءه عز وجل حسنى وصفاته عليا وأفعاله سنية وهو مع ذلك يعتقد أن الله عز وجل يعذب ويقهر وينتقم، وهو قبل ذلك يغضب أشد الغضب بل ويضل من يشاء من عباده.
ومن بلاغة الآية أنها تعلم المؤمن بالله كيف يؤمن وكيف يعتقد. ذلك لأنها أضمرت فاعل الغضب والضلال مشيرة من خلال ذلك الإضمار إلى اسم من الأسماء الإلهية الحسنى وهو العدل، فالله جل جلاله لا يتصور أن يظلم أحدا من عباده.
نعم قد يغضب الله عز وجل وقد يضل بل ويقهر وينتقم ويعذب.. ولكنه سبحانه لا يظلم أحدا من عباده. وما كان ربنا تعالى بظلام للعبيد.
إن عدل الله عز وجل مع عاملي الكسب والاختيار اللذين يلتبس بهما الإنسان كلها تؤكد بالنص الواضح أن السيء من الأمور والأحوال وإن كان بخلق الله وتقديره فهو من أنفسنا الأمارة بالسوء. ولذلك كان بيان منفذ جزاءات تلك السيئات المختلفة مضمرا إشارة إلى أن الله عز وجل لا يريد لعباده أن يعذبوا ولا أن يضلوا ولا أن يغضب عليهم.
إسلاما :
من عموم نعمة الله لكل موجود عدوا كان أو وليا لله تعالى نعمة النظام والتقنين. فقد نقول بنعمة القانون، في دولة منتسبة للإسلام، وإن كان مخالفا في تفاصيله لمقتضيات الكتاب والسنة إذا روعي في صياغته ظروف المجتمع واحترام حقوق الإنسان بما لا يعارض قيم الإسلام ومكارم الأخلاق. إلا أن هذه النعمة لا توازي نعم الشريعة الإسلامية التي تمتد إلى ما بعد البعث حيث الحساب الأخير والجزاء السرمدي.
إن رجال القانون داخل أي دولة معاصرة يتلخصون في فئتين من فئات المجتمع هما طلبة مادة الحقوق والعلوم القانونية وأساتذتها ومفكروها من جهة، ورجال الدولة من قضاء وإداريين ورجال المجالس التشريعية من جهة أخرى.
على القانونيين من رجال الدولة الإسلامية التوقي من الغضب الإلهي وذلك بالامتناع عن الحكم بكل قانون أصدره المجلس المختص بإحداثه مخالفا لمقتضيات الكتاب والسنة، ولو كان مستوى هذا المجلس أعلى من مستوى جهة التنفيذ.. وفي اليوم الذي يتكون فيه وعي جماعي بخطورة الحكم بالقانون الجاحد لما أنزل الله، فإن مرحلة من غضب الشعب المسلم على الأنظمة القانونية الكافرة والمقلدين لها من بني جلدتنا، ستجعل هذه الفئة من رجال القانون في حرج دنيوي دائم وشقاء أخروي شديد.
أما رجال القانون من الطلبة والأساتذة ونواب الأمة، فقد يهيمن عليهم الضلال القانوني حين تغيب عن أذهانهم آليات الفهم والاستنباط المعروفة في أصول الفقه الإسلامي. فلابد لرجل القانون من أن يعرف كيفية استثمار الأحكام الفقهية كأن يجيد نصب الأدلة وشروطها التي بها تصير البراهين والأدلة منتجة، ويحتاج لذلك أن يكون على معرفة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة أحكامهما وأن يعرف الأمور المجمع عليها.. إلى غير ذلك من معرفة اللغة والنحو ومعرفة الناسخ والمنسوخ ومعرفة الرواية وتمييز الصحيح منها عن الفاسد والمقبول عن المردود.
هذا من جهة الجماعة، أما من جهة الفرد فهو مطالب دائما أن يكون في بعاد عن تصورات واختيارات وتصرفات المغضوب عليهم والضالين من عباد الله. إلا إذا كان ذلك لا يتعارض مع مقتضى الإنعام الإلهي العام للبشر والذي لا يمكن أن يخدم إلا مقاصد الدين وأولوياته.
إحسانا :
المغضوب عليهم إحسانا هم الذين أوقفهم عن السير اتباع الحظوظ والشهوات، فأوقعهم في مهاوي العصيان والمخالفات، وأما الضالون فهم الذين حبسهم الجهل والتقليد فلم تنفذ بصائرهم إلى خالص التوحيد فنكصوا عن توحيد العيان إلى توحيد الدليل والبرهان، وهو ضلال عند أهل الشهود والعيان، ولو بلغ في الصلاح غاية الإمكان.
فاحذر أن يلحقك غضب الرب بنسيانك التوفيق وتعاميك عن رؤية التأييد فتكون من المطرودين عن باب العبودية، واحذر أيضا أن تكون من الضالين عن شهود سابق الاختيار وجريان تصاريف الأقدار فتكون من المفلسين عن نفائس المعرفة.