كيف نبني عاطفة الطفل؟
لاشك أن مرحلة الطفولة هي المرحلة الحاسمة في صياغة شخصية الإنسان. ولذلك فدراسة النمو النفسي للأطفال أمر في غاية الأهمية للآباء والأمهات، حتى يحسنوا القيام بوظيفتهم كمربين، بل ليكون أبناؤهم من العمل الصالح الذي يرجون ثوابه في الآخرة. وقد أثبتت الدراسات النفسية أهمية البناء العاطفي في تشكيل شخصية الطفل، فإن أخذ العاطفة بشكل متوازن كان شخصا متوازنا ناجحا في حياته، وإن كان في ذلك نقصان أو زيادة، تشكلت الاضطرابات التي لا تحمد عقباها. فالزيادة تجعله طفلا وشابا مدللا لا يعول عليه بل ينتظر من الوالدين والآخرين القيام بكل مسؤولياته، والنقصان يجعل منه طفلا وشابا قاسيا عنيفا تجاه كل من حوله. لذلك فإن البناء العاطفي له أهمية خاصة في تربية الطفل، وهذا البناء يقوم فيه بالدور الأكبر الوالدان. إذ هما المصدر الأساسي لإشعاع العواطف النبيلة والحب والطمأنينة في نفسية الطفل.
فكيف نبني عاطفة الطفل؟ وكيف نؤدي له حقوقه ليكون إنسانا سويا في مستقبله؟ يشع رحمة وحبا على من حوله. بدءا بوالديه ثم زوجه وأولاده والناس أجمعين؟
1- القبلة والرأفة والرحمة بالأطفال
إن للقبلة دورا فعالا في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته، كما أن لها دورا كبيرا في تسكين ثورانه وغضبه، وهي دليل رحمة القلب والفؤاد بهذا الطفل الناشئ، ثم هي أولا وأخيرا سُنَّة ثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال. روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي اله عنه قال: "قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحم".
2- المداعبة والممازحة واللعب مع الطفل
ورد اللعب المباح في القرآن الكريم في الآية الكريمة: "أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون" يوسف الآية12. وقد كان هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان يلاعب سيدنا الحسن وسيدنا الحسين عليهما السلام، وأبناء الصحابة رضوان الله عليهم. روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدُعِينا إلى طعام فإذا الحسين يلعب في الطريق مع صبيان، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده، فجعل يفر هاهنا وهناك، فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه وقبله، ثم قال: "حسين مني وأنا منه أحب الله من أحبه. الحسن والحسين سبطان من الأسباط".
وفي هذا الصدد يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "من كان له صبي فليتصابي له" أي يلاعب الطفل وكأنه طفل هو أيضا يشاركه عالمه الخاص، ومعلوم أن الأطفال يحبون من يلعب معهم، ويهتم بألعابهم. أما إذا كان الطفل في سن التمدرس فلابد أن نعلمه أن للعب أوقاتا خاصة، وللواجبات المدرسية أوقاتا خاصة أيضا حتى يستطيع التمييز بين وقت اللعب، ووقت الدراسة.
3- مسح رأس الطفل
ففي زوائد ابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم. ويُضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسح رأس الطفل القيام بمسح خدي الطفل بيديه الشريفتين وما ذلك إلا اهتماما به وإدخالا للسرور على قلبه.
4- حسن استقبال الطفل
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهب لاستقبال سبطيه الحسن والحسين ويهش في وجههما، بل ويفعل ذلك مع كل الأطفال. روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذيه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثم يضمنا، ثم يقول: "اللهم ارحمهما فإني أرحمها". فينبغي للوالدين استقبال الطفل بفرح وحب عندما يعود من المدرسة ليشعر أنه يقوم بعمل رائع فنحبب إليه المدرسة وواجباته أكثر. ومن المؤسف أن تكون الأم منهمكة في أشغال البيت، لا تعلم متى عاد الطفل من المدرسة ومتى خرج للعب، ومن المؤسف أيضا أن يعود الطفل فيجد المفتاح عند الجارة ليدخل إلى البيت ليجد في استقباله سموم التلفاز بدل حضن أمه الدافئ أو نظرة أبيه الحانية.
5- الرفع من معنويات الطفل وعدم تحطيمها
نأخذ بعين الاعتبار آراء الطفل واقتراحاته، لنبين له أنه قادر على الاقتراح والاختيار أيضا. و هكذا يثمن الوالدان مجهود الطفل من خلال ما ينجزه سواء في البيت أو المدرسة. قال الإمام الغزالي رحمه الله: "مهما ظهر من الصبي خلق جميل، وفِعْلٌ محمود فينبغي أن يُكرم عليه، ويُجازى عليه بما يفرح به. ويمدح بين أظهر الناس". لابد أيضا أن نتجاوز عن أخطاء الطفل فمن الخطأ يتعلم دون ضرب، فالضرب ليس وسيلة تربوية ناجعة، بل على العكس من ذلك فهو يشوه شخصية الطفل. وقد ثبت أن رسول الله صلى عليه وسلم كره ضرب الحيوانات فكيف بضرب الأطفال خاصة أننا نجد الطفل يضرب في أحيان كثيرة دون أن يعرف لماذا.
6- حسن الاستماع إليه
من الأمور المهمة أيضا في البناء العاطفي للطفل الاستماع له، وإعطاء أهمية لِما يقول، لانُسْكِته كما يفعل الكثير من الوالدين وخاصة الأم لأنه أكثر احتكاكا بها، كأن تقول له "أنت لا زلت صغيرا فلا تتدخل فيما لا يعنيك"، أو "اسكت فأنت تتكلم كثيرا" ونجد الأم تتحدث الساعات الطوال مع صديقاتها أوجاراتها، وعندما يأتي الطفل ليحدثها تنهره قائلة: "فيما بعد. ألا ترى أنني مشغولة!"
وليس معنى هذا أن نترك المجال مفتوحا أمام الطفل لكي يتحدث وقت ما شاء ، بل لا بد أن ننبهه أن بعض الأمور فعلا خاصة بالكبار، ولكن بطريقة لطيفة ولبقة. أما إذا كانت الأمور التي تتحدث فيها العائلة للطفل حق الإدلاء برأيه فيها فلابد أن نستمع إليه، ونأخذ برأيه أيضا. مثلا إذا قررت العائلة القيام بنزهة أو زيارة معينة، واختار الطفل مكانا محددا فلا بأس أن تحترم العائلة رأيه، وتأخذ به ما دام في حدود المعقول.
7- المساواة بين الذكر والأنثى
المساواة بين الذكر والأنثى حتى لا يترتب اختلال في الجانب العاطفي للفتاة أو الفتى أيضا، فكما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحنو على سيدنا الحسن والحسين كان يحنو على حفيداته. روى الشيخان وغيرهما عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها أبي العاص بن ربيعة، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
كما تجب المساواة في المعاملة والحنان والعاطفة تجاه الأبناء، وأيضا الهدايا التي تقدم لهم.
8- أهمية الانسجام بين الوالدين في البناء العاطفي للطفل
مما لا شك فيه أن العلاقة بين الوالدين داخل الأسرة هي الحاسمة في البناء العاطفي والنفسي السليم للطفل. فإذا كانت الأسرة وحدة متماسكة، وكانت العلاقة بين الأبوين يسودها الحب والاحترام، فلا شك أن هذا سينعكس إيجابا على نفسية الأبناء، كما أن المشاحنات بين الوالدين تحدث آثارا سلبية عليهم.
وأخيرا، إن للأم دورا مهما في غرس العواطف النبيلة في الطفل أكثر من الأب، والحماة، والخادمة، وأي شخص آخر. وكلما أحسنت الأم القيام بدورها كلما حافظت على علاقة مميزة بابنها مهما شاركها في تربيته شركاء متشاكسون. وقد أثبتت الدراسات النفسية أن الشخص الذي يعيش حرمانا عاطفيا في طفولته يصعب عليه محبة الآخرين و تَقَبُّل محبتهم. أَوَ ليس حَرِيٌّ بنا الاهتمام بالبناء العاطفي السليم لأبنائنا ونحن نصبو لبناء صرح مجتمع العمران الأخوي بين أفراد يسود علاقاتهم الحب والإيثار والرحمة؟